الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
يُحكى أنه ذات يوم أصدر الملك قراراً يمنع فيه النساء من لبس الذهب والحلى والزينة فكان لهذا القرار ردة فعل كبيرة، فامتنعت النساء عن الطاعة وبدأ التذمر والسخط على هذا القرار، وضجت المدينة وتعالت أصوات الاحتجاجات وبالغت النساء فى لبس الزينة والذهب وأنواع الحلى. فاضطرب الملك واحتار ماذا يفعل؟! فأمر بعقد اجتماع طارئ لمستشاريه، حضر المستشارون وبدأ النقاش، فقال أحدهم: أقترح التراجع عن القرار للمصلحة العامة. ثم قال آخر: كلا إن التراجع مؤشر ضعف ودليل خوف، ويجب أن نظهر لهم قوتنا. وانقسم المستشارون إلى مؤيد ومعارض، فقال الملك: مهلاً مهلاً.. أحضروا لى حكيم المدينة، فلما حضر الحكيم وطرح عليه المشكلة قال له: أيها الملك لن يطيعك الناس إذا كنت تفكر فيما تريد أنت لا فيما يريدون هم. فقال له الملك: وما العمل؟ أتراجع إذن..؟ قال: لا، ولكن أصدر قراراً بمنع لبس الذهب والحلى والزينة لأن الجميلات لا حاجة لهنّ إلى التجمل.. ثم أصدر استثناءً يسمح للنساء القبيحات وكبيرات السن بلبس الزينة والذهب لحاجتهن إلى ستر قبحهن ودمامة وجوههن.. فأصدر الملك القرار.. وما هى إلا سويعات حتى خلعت النساء الزينة وأخذت كل واحدة منهنّ تنظر لنفسها على أنها جميلة لا تحتاج إلى الزينة والحلى. فقال الحكيم للملك: الآن فقط يطيعك الناس، وذلك عندما تفكر بعقولهم وتدرك اهتماماتهم وتطل من نوافذ شعورهم. إن صياغة الكلمات فن نحتاج إلى إتقانه، وعلم نحتاج إلى تعلمه فى خطابنا التربوى والتعليمى لندعو إلى ما نريد من خلال ربط المطلوب منهم بالمرغوب لهم، ومراعاة المرفوض عندهم قبل طرح المفروض عليهم، وأن نشعر المتلقى بمدى الفائدة الشخصية التى سيجنيها من خلال اتباع كلام أو الامتناع عنه، ولا شىء يخترق القلوب كلطف العبارة وبذل الابتسامة ولين الخطاب وسلامة القصد. قال المولى عز وجل فى كتابه العزيز: «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»، أى لو كنت سيئ الكلام قاسى القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفًا لقلوبهم.. فالكلمة تأثيرها معروف على مر التاريخ، الكلمة التى يتلفظ بها الإنسان من الممكن أن تنشر الفتن والخراب بين الناس، ومن الممكن أن تعمر وتصلح بينهم، يقول المولى عز وجل فى كتابه العزيز واصفاً أثر الكلمة وقيمتها: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاء تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ»، كما أن الكلم الحسن الطيب هو الذى يصعد إلى الله تعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ».. أشار نبينا، صلى الله عليه وسلم، إلى أثر وفضل الكلمة الطيبة وعظم أجرها وذلك لما تسببه الكلمة الطيبة المعسولة من تقارب القلوب وغسل النفوس وتطييبها، وبالمقابل حذّر عليه الصلاة والسلام من كلام الشر، بل إن الكلمة الواحدة قد يلقيها المرء لا يلقى لها بالاً تهوى به فى النار سبعين خريفاً، كما جاء فى نص الحديث: «إن الرجل ليُلقى الكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالاً يهوى بها فى النار سبعين خريفاً».. صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فلننتبه إلى ما يصدر من أفواهنا، فالكلمة نور، وبعض الكلمات قبور.. ما دين الله سوى كلمة.. ما شرف الرجل سوى كلمة.. مفتاح الجنة فى كلمة.. ودخول النار على كلمة.