الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
ونواصل حديثنا عن ذكرياتنا مع الفنان الكبير محمود عبدالعزيز ومسلسل رأفت الهجان. كانت المخابرات العامة مهتمة جدا بمسلسل رأفت الهجان، لدرجة أننى لن أنسى هذا اليوم، الذى دعانا فيه اللواء المغفور له، أمين نمر، الذى كان يشغل رئيس المخابرات العامة المصرية، حيث دعا فريق العمل، وكنت منهم، وذهبنا إلى مبنى المخابرات العامة، ودخلنا هذا المبنى العظيم الموجود فى حدائق القبة، فى دعوة الغداء، وجلسنا جميعاً على مائدة واحدة، معنا رئيس المخابرات وضباط من المخابرات والضابط المكلف بمتابعة تنفيذ العمل والأستاذ محمود عبدالعزيز والفنانة يسرا وجميع العاملين، كان جوا يسوده الحب والمحبة والألفة الشديدة جدا.
فقد كانت المخابرات تحتفى بنا جميعا، لدرجة أننى لن أنسى أنه فى نهاية هذا الغداء أهدونا سلسلة مفاتيح كان عليها شعار المخابرات العامة المصرية، كان الأستاذ محمود عبدالعزيز سعيدا سعادة بالغة، وقال لى أكثر من مرة إنه سعيد بأنه يقدم عملا وطنيا يجسد بطولة من بطولات المخابرات، وبدأنا التصوير بعد أيام طويلة من الإعداد الشديد من العمل هنا وهناك، الإنتاج يعمل بقوة، والجميع يعمل، وتصميم الملابس، حتى الفنان الراحل العظيم عمار الشريعى، الذى كان يبحث عن هذه التيمة الجديدة التى يقدم بها موسيقى العمل، حتى قال: وجدتها وجدتها، وكنت فى ذلك الوقت موجودا فى منزل عمار الشريعى فى شارع الحسين بالدقى.
كان محمود عبدالعزيز فناناً صادقاً للغاية، بدأنا أولى حلقات المسلسل وأول أوردرات التصوير- كما يطلق عليها- بتصوير أصعب المشاهد، وهو مشهد وفاة «رأفت»، ذلك المشهد الذى أداه الأستاذ «محمود» على ترابيزة البروفات باقتدار، والآن مطلوب منه أن يؤديه فى الاستديو، لبس البيجامة، وجلس فى غرفته لفترة ليست بالقليلة يدرس الشخصية ويمعن فيها، وجاءت لحظة التصوير، ودخل محمود عبدالعزيز إلى غرفة نوم «رأفت». مشهد 1: «رأفت» ينام على سريره يصارع المرض ويقول لـ«هيلين»، فى لحظات فارقة: (يا هيلين خلى بالك على الأولاد، يا هيلين اتصلى بالمخابرات المصرية)، كان مطلوبا منه فى هذا المشهد أن يؤديه كما لو أنه يحتضر، وأن آلام السرطان قد أصابت جسده كما أصابت جسد رفعت الجمال، هكذا كتب صالح مرسى فى سيناريو هذا العمل البديع وصوّره من أول مرة بإتقان شديد، صرخ فينا جميعاً فى الاستديو كأنه يصرخ فعلاً من الألم، لدرجة أننا جميعا كنا فى ذهول ونحن حوله، مساعدو الإخراج وفريق العمل. يسرا كانت واقفة أمامه لا تصدق هذا الشعور القوى الذى يخرج من محمود عبدالعزيز وهو يجسد ألم رأفت الهجان، وأدى المشهد فى قمة الروعة، وفى نهاية المشهد يموت رأفت الهجان، وتقف «هيلين» تصرخ وتقول: (لا لسه لسه فيه ألم تانى)، وقعدت تبكى «هيلين» أو تبكى يسرا، وبعدما أعلن المخرج يحيى العلمى: ستوب برافو، وقال: «بغافو» كما يطلقها دائماً، انتابت محمود عبدالعزيز هذا الفنان القدير حالة من البكاء الشديد داخل الاستديو ونحن نصفق له بإعجاب شديد، إنه فنان غريب فى أدائه، متنوع، فريد فى أسلوبه وانطباعاته، لقد صدقنا هذا المشهد كما صدقه ملايين المشاهدين فى ربوع العالم العربى، وأبكى الجميع وأبكى محمود عبدالعزيز،
وبدأ مشوار رأفت الهجان، وكان مشواراً طويلاً، كان الفنان محمود عبدالعزيز يهتم بكل تفاصيل عمل مسلسل رأفت الهجان، وأدى مشاهد صعبة كثيرة بالمسلسل بمنتهى الاقتدار، وكان حظى أننى أقوم بتحفيظه الدور، فقد كان يحبنى منذ أن كنت صغيراً، وكان يطلق علىَّ اسم شخصية موجودة فى المسلسل كانت تسمى «جدعون شبطاى»، فكان يقول لهم: اندهولى «شبطاى»، وكان «شبطاى» المقصود به أنا، فأنا الذى أشبط فيه وأقعد أزن عليه بالبلدى عشان خاطر الملابس والإكسسوارات والراكورات وغيره وغيره، كنت أجلس مع محمود عبدالعزيز فترات طويلة، بحكم أننى مساعد المخرج، الذى أقوم بتحفيظه الدور، فكان يؤدى أمامى فى غرفة ملابسه الدور وهو يحفظ بأداء متقن بارع فى غاية الجاذبية والحساسية الشديدة جدا، فقد كان فناناً فذا عبقرياً.
وللحديث بقية..