الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن سر الأعمال الثلاثة، وأحدها الصبر، الذى لم يحدد الله له أجرًا فى الدنيا، بل وعد عباده بأجر عظيم فى الآخرة، وينقسم الصبر إلى ثلاثة أنواع، وهى صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من مرض وابتلاءات، وقضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البلاء؛ قال تعالى: «إنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا». صدق الله العظيم.
والصبر على الشدائد والمرض كنز عظيم، فيقول النبى، ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير: إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له».
والصبر على الابتلاء، واحتساب الأجر عند الله، هو ما يجعل المصائب والمحن تهون، كما أن عدم التركيز على المفقود، والنظر إلى الموجود، هو ما يجعلنا نرى نماذج لأناس عظماء واجهوا ما واجهوا من أحداث بقلوب راضية متقبلة لإرادة الله، فعندما تم قطع رجل عروة بن الزبير لمرض أصابه، وفى نفس اليوم مات أعز أبنائه السبعة على قلبه، بعد أن رفسه فرس، وقتله، قال عروة: «اللهم لك الحمد، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، أعطانى سبعة أبناء، وأخذ واحدًا، وأعطانى أربعة أطراف، وأخذ واحدًا.. إن ابتلى، فطالما عافا.. وإن أخذ، فطالما أعطى.. وإنى أسأل الله أن يجمعنى بهما فى الجنة».
والدنيا بها ابتلاءات كثيرة جدًّا، وكما قال ابن مسعود، رضى الله عنه: «ما مُلئ بيت فرحًا إلا مُلئ ترحًا».
وتدريب النفس على الصبر مهم، فلا يوجد أحد يعيش بمنأى عن المشاكل والهموم، ولكن النقطة المهمة هى كيفية مواجهة المشكلة، فلا يوجد فرح دائم، فإذا جاء الفرح نستمتع به لأنه لن يدوم إلى الأبد، وإذا جاء الحزن فلا نقلق لأنه أيضًا لن يدوم للأبد، فلا يوجد شىء يدوم إلى الأبد، ولا يوجد شىء أخذه الله منك لم يعوضك عنه، فألطاف الله تلاحقك، وأنت لا تدرى.. كم مرة ساق إليك خفايا لطفه، ولم تشعر بذلك إلا بعد أن دبر لك الأمر ويسره!. إن هذا لطفه الذى علمته، فكيف بلطفه الذى لم تُحِطْ به علمًا؟!.
وأعرَف خلق الله بلطف الله أنبياؤه ورسله، فمَن نظر فيما جرى عليهم من الأمور التى فى ظاهرها امتحان وابتلاء وبأساء وضراء، ولكن فى باطنها لطف ورأفة ورفق ورحمة، أيقن أن الأمر كله بيد اللطيف،
فعندما تأتينا المصائب لابد أن نأخذ منها المكسب، أى الثواب اللاحق بها؛ بالصبر عليها، قال تعالى: «إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب»، فهؤلاء هم أهل الصبر، ونسأل الله أن يجعلنا من الصابرين المحتسبين.