الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
كما ذكرنا فى المقال السابق، وكما حكى لى والدى أنه بعد أخذ موافقة الرقيب العام على إصدار صحيفة، بدأ يخطط لجلب إعلانات للمجلة.. والإعلانات تحتاج إلى أوامر نشر وإيصالات سداد، ولابد أن يذكر عليها عنوان المجلة، واستبعد فورا أن يذكر عنوان منزل الأسرة بشارع السبع سقايات بفم الخليج، فهذا معناه ببساطة كما قال: «علقة ساخنة من والده.. قد تؤدى به للطرد من البيت».. جلس مع صديقه الفنان رجائى جابر وشرح له المشكلة، والذى ذهب إلى والده، وبعد إلحاح شديد حصل على تصريح بأن يذكر أن إدارة المجلة عنوانها على مسكنه، بشرط ألا نسبب له مشاكل، ومنذرا بأنه سيتبرأ من نجله رجائى إذا طرق باب بيته عسكرى بوليس، اتفق والدى مع الأستاذ كامل بريقع حسن على أن يطبعوا المجلة فى مطبعة السحاب 2000 نسخة ورق ستانيه.. الغلاف لونان ٤٢ صفحة.. دبوس فى النصف بمبلغ إجمالى مائة وخمسين جنيها حمل أوامر نشر الإعلانات والإيصالات، وكما كان يقول داخ السبع دوخات، واستطاع بمجهود كبير الحصول على إعلانات بمبلغ مائتى وخمسين جنيها، منها خمسون جنيها مقدما.. إذاً فدراسة الجدوى ناجحة، والعملية مضمونة الآن وفيها مكسب «ضخم». بدأ إعداد المادة الصحفية لمجلة «الفدائيون» بكتمان شديد.. حديث مطول.. أربع صفحات.. أجراه مع الصاغ كمال الدين حسين، عضو مجلس قيادة الثورة، والمشرف على قوات الفدائيين.. حديث مع المقدم عبدالفتاح فؤاد قائد الحرس الوطنى.. قصيدة شعرية للصاغ مصطفى بهجت بدوى، وموضوع من أربع صفحات عن ماذا يطلب الفدائيون من اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية؟
وكان يسير فى شارع الجمهورية فى جولة «جمع الإعلانات».. وفجأة.. وقفت بجانبه سيارة عسكرية نزل منها الصاغ خالد محيى الدين، عضو مجلس قيادة الثورة.. كان فى طريقه لمحل تفصيل أزياء عسكرية واستوقفه.. وقال له: حضرتك الصاغ خالد محيى الدين؟ – أيوه – ممكن حضرتك تكتب لنا كلمة فى مجلة «الفدائيون»؟.. وقدم له بسرعة ورقة وقلما وتوقف خالد محيى الدين محرجا فى شارع الجمهورية يكتب كلمة صغيرة للمجلة، بينما الناس تتجمع وتهتف باسمه وتنظر له وتصفق بحماس بصفته عضوا فى مجلس قيادة الثورة.. كتب خالد محيى الدين بخط يده ضمن كلمته عبارة «إن الفدائيون هم طليعة الوطن».. وسلمه الورقة الصغيرة وانصرف مسرعا.. فرح والدى بكلمته وانطلق سعيدا بالورقة التى حررها بخط يده يتفاخر بها أمام زملائه، وقد قرر أن ينشرها «زنكوغراف»، قاموا بتجهيز بروفات العدد فى المطبعة، وأخذ للغلاف صورة مرسومة للواء محمد نجيب، رئيس الجمهورية، وهو مصوب بندقيته نحو الهدف وتحتها عبارة «الفدائى الأول»، وقد رسم هذه الصورة الفنان الكبير المعروف محمد الحداد.. حمل بروفات المجلة وتوجه إلى قصر عابدين، إلى مكتب الرقيب العام الصاغ موفق الحموى.. طلب منه سكرتيره العسكرى أن يترك البروفات ويعود بعد يومين. حدثت أزمة مارس بين اللواء محمد نجيب وجمال عبدالناصر ومجموعة الضباط الأحرار، حيث تم قبول استقالة محمد نجيب.. وذهب إلى الصاغ موفق الحموى الذى ربت على كتفه وطلب منه ثلاثة أشياء: حذف صورة محمد نجيب من على الغلاف، حذف الموضوع الخاص «ماذا يطلب الناس من اللواء محمد نجيب؟»، حذف المقال الصغير الذى كتبه الصاغ خالد محيى الدين.
بالنسبة للطلبين الأول والثانى فقد استوعب الموقف، وأنه لابد من التغيير.. أما بالنسبة لمقال خالد محيى الدين فقد أبدى دهشته وقال إنه لم يقدم استقالة، لكن موفق الحموى أبلغه بأن سبب الحذف هو الخطأ النحوى الذى وقع فيه خالد محيى الدين عند كتابة الكلمة التى نقلها مصورة زنكوغراف للمجلة، حيث كتب «إن الفدائيون هم…» والمفروض أن تكون الجملة كالآتى من الناحية اللغوية «إن الفدائيين هم…»، ولا يصح أن يصدر هذا الخطأ من عضو مجلس قيادة الثورة، وجلس والدى قرابة الساعة مع موفق الحموى يناقش معه كيفية تصويب كلمة خالد محيى الدين من أجل الاحتفاظ بها للمجلة.. ووافقه الرجل فى النهاية على طمس نصف كلمة «الفدائيون» بالأكلشيه لتكون كالآتى «إن الفدائى.. هم» وخرجوا من المطب!! وكانت محصلة مشروعه الاستثمارى إصدار مجلة «الفدائيون» مشرفة.. من الناحية الأدبية، ومن الناحية المادية.. رغم أنه لم يبلغ السادسة عشرة.. وقد كسب من الصحافة أيامها مائة جنيه بالتمام والكمال.