الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
فى عام 1997 جلست مع والدى، رحمة الله عليه، وقلت له: (بابا أنا قررت أعمل جورنال.. رد علىّ قائلاً: جورنال إيه اللى هاتعمله؟ قلت له: حاعمل جورنال أسبوعى.. قال لى: يا بنى هو الموضوع سهل كده؟ قلت له: لا حاجيب ترخيص من بره وحاعمل جورنال مستقل، قالى: ياااه وابتسم ابتسامة طويلة جداً أكاد أتذكرها فى هذه اللحظة، وقالى: بس ده موضوع صعب جداً إصدار الصحف النهارده بقى مكلف.. ده زمان.. وحكى لى هذه الحكاية التى أرويها لكم عن كيف استطاع أن يصدر أول صحيفة يرأس هو تحريرها وهو فى مقتبل العمر، فحكى لى أنه فى عام 1952 قامت ثورة يوليو.. وأعلنت عن فتح باب التطوع لتدريب الشباب فى معسكرات.. لخوض معارك التحرير ضد الإنجليز فى القناة، وكان فى الرابعة عشرة من عمره.. ذهب وتطوع حيث حصل على فترة تدريب بمعسكرات الهايكستب خمسة عشر يوماً.. بعدها تطوع فى دورة خاصة بمعسكرات أنشاص.. حيث التدريب أشق مئات المرات، وحيث يعلمونك كل شىء.. من أكل الزلط إلى القفز من الدبابات والنوم أسفلها.. وعبور القناة على حبال.. يلقون عليك أثناءها المتفجرات والقنابل.. وتسلق الجبال وغيره فكان من جيل الثورة الذى انفعل بها وتأثر بحماس لقادتها وكانوا يعبرون عن هذا الانفعال والتأثر فى مدرسة الإبراهيمية الثانوية من خلال مجلة الحائط التى كان يشرف عليها أستاذهم للغة الإنجليزية السيد على محمد، والذى حولها بعد ذلك إلى مجلة مطبوعة، وكان والدى أحد أعضاء أسرة تحريرها.. ومعه صديقه المستشار محمود أبوالليل راشد، وزير العدل الأسبق، رحمه الله، وكانت المجلة تنبض بمقالات الطلبة التى كلها حماس الثورة.. وفى عام 1954 كان فى السنة الرابعة الثانوى «الثقافة»، وكان صديقه الأستاذ/ محمد جلال أحمد، مستشار وزير الثقافة، ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون السابق، يصدر وهو طالب فى الجامعة مجلة «أخبار الجامعات»، والتى كان يديرها ويرأس تحريرها.. ولقد اختاره الأستاذ محمد جلال بصفة أنه من أبناء «المنيرة» ليكون مندوب أخبار الجامعات فى مدرسة الإبراهيمية، حيث يقوم بموافاته بالأخبار، وكذلك توزيع المجلة «بقرش صاغ» على الطلبة.. ولقد تعلم من الأستاذ محمد جلال الكثير.. من خلال تردده على إدارة المجلة بشارع قصر العينى وعشق العمل الصحفى وأحبه من خلال الأستاذ محمد جلال، ولكن قرر والدى أن يتمرد عليه، وعلى حد تعبيره وهو يحكى لى (ومفيش حد أحسن من حد، وليه ما يكونش ليا مجلة؟.. وأكون برضه رئيس تحرير أعمل زى محمد جلال والمسألة مافيهاش عبقرية)، فإنشاء مجلة لا يحتاج أكثر من الآتى: أولا: استئجار رخصة للمجلة.. ثانيا: اختيار مقر ولو وهميا.. ثالثا: الحصول على أوامر نشر «بإعلانات» ويا ريت يكون السداد مقدما.. رابعا: مادة تحريرية من مقالات وريبورتاجات وأخبار تحرر بمعرفة مجموعة من المحررين.. وممكن تحرر كلها بمعرفته. ورغم أنه كان فى السادسة عشرة من عمره ولا يملك إلا مصروف يده «حوالى تعريفة فى اليوم»، إلا أنه استطاع أن يقنع أشقاءه الذين سبقوه فى التخرج والتعيين بمنحه مجتمعين مبلغ جنيه مصرى.. وضع الجنيه فى جيبه وتوجه إلى ميدان السيدة زينب، حيث قابل الأستاذ كامل بريقع حسن، صاحب ومدير جريدة «السحاب»، وكذلك مطبعتها. سلم الأستاذ كامل بريقع الجنيه.. وحرر له شهادة بأنه يوافق على إصدار عدد خاص من جريدة السحاب باسم «الفدائيون»، يشرف على تحريرها الأستاذ ممدوح الليثى، وأخرج خاتم الجريدة وطبعه على الشهادة. حمل والدى الشهادة وتوجه بها إلى الرقيب العام ساعتها الصاغ موفق الحموى فى قصر عابدين، الذى تفحص والدى من فوق لتحت وقال له بتهكم إنت اللى حتصدر المجلة؟ قال بحماس: نعم.. سأله بدهشة: عندك كام سنة؟.. ورد بلماضة: 16 سنة.. وأخذ والدى يسرد له موضوعات مجلة «الفدائيون» وأنه تلقى فرقة تدريب صاعقة بأنشاص وأن هذه المجلة يحررها مجموعة من الفدائيين الذين لازموه فى هذه الفرقة!، شاركه موفق الحموى حماسه.. وأشّر بالموافقة، وطلب منه أن يعرض عليه المادة التحريرية قبل الطبع.