ونواصل حديثنا السابق عن الموسيقار الكبير عمار الشريعى الذى جعل من موسيقاه بطلاً حقيقياً فى الدراما المصرية، وأتذكر حوارى معه عن عمل من أهم أعماله الفنية والاقرب لقلبه ولقلوبنا جميعاً وهو مسلسل أم كلثوم. وكان ذلك المسلسل من أقرب المسلسلات لقلب والدى ممدوح الليثى رحمه الله التى قام بإنتاجها أثناء توليه رئاسة قطاع الإنتاج. وأتذكر عندما طلب والدى المنتج والسيناريست الكبير ممدوح الليثى من الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن أن يكتب عملا تليفزيونيا عن أم كلثوم، فكتب مسلسل أم كلثوم فى 38 حلقة. ومثلما أبدع كاتبنا الكبير محفوظ عبد الرحمن فى تأليف المسلسل أبدع كذلك الموسيقار الكبير عمار الشريعى فى موسيقى المسلسل، وحكى لى الموسيقار عمار الشريعى كيف عمل تتر مسلسل أم كلثوم فقال «كنا نعمل فى المسلسل منذ سنتين ومش عارف أعمل ايه فى التتر ويوم وانا نايم سمعته زى مانا سمعتهولكم بالضبط، كأنى بسجله قمت من النوم ووضعت ريكوردر جنبى، ودى كانت نصيحة الاستاذ عبدالوهاب الله يرحمه لى، قالى دايماً خلى ريكوردر جنبك أو فى جيبك فى أى وقت من الاوقات جاتلك جملة حلوة سجلها.. الواحد يا عمار ممكن جداً ما يقابلش الجملة الحلوة إلا مرة واحدة.. وكانت دى جملته دائماً.. وبالفعل أول ما صحيت من النوم قلت هابتدى التتر برضاك يا خالقى وبعدين أدخل على ذكريات وبعدين رق الحبيب وهكذا بترتيب التتر زى ما سمعتوه، والساعة 10 صباحاً لما قمت من النوم اتصلت بالاستاذة أنعام وقولتلها خلاص خلاص ما تقلقيش تتر أم كلثوم وصل». هكذا كان يعمل هذا الموسيقار الكبير الذى يظل يبحث ويبحث عن أفكاره الموسيقية حتى يسمعها فى داخله أولا ليمتعنا بما يصدره من ألحان بعد ذلك. وكان هذا ما حدث معه أثناء فيلم «البرىء» الذى قال عنه لى إنه من أعجب الافلام التى صادفته فى حياته، فعندما ذهب ليراه فى العرض الخاص كان معه الأستاذ وحيد حامد والأستاذ عاطف الطيب رحمه الله والاستاذ صفوت غطاس منتج الفيلم، وكان الاستاذ وحيد والأستاذ عاطف يحكيان له لما تكون فى مناظر بدون حوارات أو نقلات مهتم بها الاستاذ عاطف، فتأثر أوى بالفيلم وانفعل به انفعالاً شديداً وقال لى «كنت فاكر نفسى هاروح أكسر الدنيا، أنا متعود لما أنفعل أطلع مزيكا وروحت ولاقيت مفيش مزيكا راضية تطلع خالص.. أشتغل أى حاجة تانية الا البرىء، أفكر فيه ألاقى جمل مكررة وسخيفة وساذجة، وفات عليا ست شهور مش عارف أشتغل حاجة فيه وفى ليلة بالليل لاقيت مزيكا البرىء قدامى، لاقيتنى بسمعها روحت قايم طالب الأستاذ عاطف الطيب الساعة الثالثة صباحاً صحيته من النوم قولتله اطمن اطمن، احجز بكرة مكساج البرىء. وقلت فى نفسى إيه اللى انا بقوله ده الله أعلم لكن كان قدامى المزيكا وشايفها». واتصل بالاستاذ نبيل كمال المايسترو الكبير وكان هو من يكتب له النوت الموسيقية وقتها وجاء له الاستاذ نبيل الساعة الثالثة والنصف صباحاً وخلصوا الموسيقى التصويرية فى ست ساعات، وهذا أمر صعب بالطبع ولكنها كانت حالة تدفق شديد فى الأفكار التى ظلت تسارع للخروج من رأسه لمدة ستة شهور كاملة.. واتصل بعدها بالمايسترو الكبير حمادة نادى رحمه الله، وطلب أن تأتى له الفرقة الساعة 12 ظهراً بالاستديو، وانتهوا من تسجيل الموسيقى التصويرية لفيلم البرىء الساعة التاسعة مساء بعد ستة شهور من العناء.. وللحديث بقية.