الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
بدأت علاقتى بالكاتب الكبير نجيب محفوظ منذ طفولتى، حين كان يصحبنى والدى لأجلس معه فى حضرة الأستاذ نجيب محفوظ على قهوة ريش، التى كانت تقع تحت منزل جدى فى ميدان سليمان باشا، ثم توالت زيارتى للأستاذ بمنزله بالعجوزة، وكان دائمًا يشجعنى ويقول لى: (يا ترى حاتطلع سيناريست كبير يا عمرو زى ممدوح؟)، وكنت أهز رأسى بابتسامة، وشاءت الأقدار أن أكون فى طريقى الدائم لمدرستى بالجيزة أسير جنبًا إلى جنب معه، هو يمشى على قدميه وأنا أركب «البسكلتة» بتاعتى، وأحيانًا كنت أنزل من عليها لأمشى بجانبه، ودام ذلك لعدة سنوات، وقد كان يعشق المشى عائدًا من كافيه على بابا بميدان التحرير، مرورًا بكوبرى قصر النيل، ثم إلى كوبرى الجلاء، ثم إلى منزله بالعجوزة.
كانت العلاقة بين والدى والأستاذ نجيب محفوظ علاقة قوية ومتينة. وأذكر أن الكثير من الأفلام التى أنتجتها إدارة أفلام التليفزيون فى عهد والدى كان نصيب الأسد فيها للأستاذ نجيب محفوظ.
كما كتب له والدى السيناريو والحوار لسبعة أفلام عن قصصه، وهى: (ميرامار الذى أخرجه المخرج الكبير كمال الشيخ سنة 1969، وثرثرة فوق النيل الذى أخرجه المخرج الكبير حسين كمال سنة 1971، والسكرية- الجزء الثالث من ثلاثية بين القصرين، وأميرة حبى أنا الذى أخرجه المخرج الكبير حسن الإمام سنة 1974، وفيلم الحب تحت المطر الذى أخرجه المخرج الكبير حسين كمال عام 1975، وفيلم الكرنك الذى أخرجه المخرج الكبير على بدرخان عام 1975، والمذنبون الذى أخرجه المخرج الكبير سعيد مرزوق عام 1976).
وأذكر أن آخر زيارة قمت بها لأستاذ نجيب محفوظ مع والدى كانت فى المستشفى، واستقبلنا بترحاب شديد وهو يقول لوالدى: «أخبار المسطول والقنبلة إيه؟»، وهى قصته التى حصلوا منه عليها فى جهاز السينما لإنتاجها فيلمًا، رد عليه والدى أن الأستاذ مصطفى محرم انتهى من كتابة السيناريو والحوار، والفنان الكبير عادل إمام مرشح لبطولة الفيلم، وأنه يقرأ السيناريو والحوار الآن، ورد الأستاذ نجيب بفرحة: «عادل إمام ممثل عظيم»، وسأل من مخرج الفيلم؟ وعندما قال له والدى إنه سعيد مرزوق رد فرحًا: «اللى عمل لنا فيلم المذنبون.. هايل».
وكانت هذه الزيارة فى وجود السيدة الجليلة زوجته، وصمم كاتبنا الكبير على أن نجلس معه بعض الوقت، قضيناه فى استعادة ذكريات الأفلام التى شَرُف والدى بكتابة السيناريو والحوار لها والمأخوذة عن قصصه.. وكلما شرعنا فى الانصراف، كان يلح علينا أن نجلس معه، وعندما وقفنا لننصرف قلنا له إننا سنمر عليه بعد يومين، فرد فورًا: «ما تتعبوش نفسكم أنا خارج بكرة من المستشفى خلاص بقيت كويس»، ولم يخرج أستاذنا الكبير نجيب محفوظ رحمه الله من المستشفى إلا جثمانًا ملفوفًا فى علم مصر.