الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
لن أنسى هذا الصديق القريب من والدى الذى طعنه فى ظهره يوماً من الأيام وغدر به، وتمر الأيام لينسى لهذا الصديق غدره ويجلس معه بشكل دورى وكأن شيئاً لم يحدث.. فأسأله: أنا مندهش إزاى تقدر تقعد معاه وهو عمل فيك…؟ يرد قائلاً: الله يسامحه، وبعدين أنا عندى إحساس يا عمرو إن هو نفسه عنده تأنيب ضمير.. وحس بغلطه.. يا بنى كل إنسان فينا فيه الخير والشر ولما تعرف إنسان لازم تعرفه بمميزاته وعيوبه.. والغريب أن رده عن الإساءة ليس فقط بالنسيان ولكن بالحسنة.. فتجده يدعم من أساء إليه ويقف بجانبه فى مرضه ولا كأنه كان يوماً سبباً فى ألمه.. ولن أنسى هذا اليوم عندما كان محتجزاً فى مستشفى دار الفؤاد فى غرفة الرعاية المركزة، وجاء يوم خروجه من المستشفى وأنا معه.. وإذا به يقابل شخصاً فيسأله: لماذا أنت هنا؟ فيرد عليه هذا الشخص: أصل فلان الفلانى فى الرعاية المركزة.. فيصمت أبى.. لقد كان هذا الشخص قد أساء لأبى إساءة بالغة وظلمه ظلماً بيّناً.. فوجدت أبى ينظر لى ويقول لى: عمرو أنا هادخل أزوره. رددت عليه بعصبية شديدة: تزور مين؟ إنت نسيت الراجل ده ظلمك إزاى وعمل فيك إيه؟.. رد علىّ: معلش يا عمرو أنا عاوز أزوره. رفضت بشدة، وفى النهاية اصطحبته مرة أخرى داخل غرفة العناية المركزة.. وعندما همّ أبى بالدخول على ذلك الرجل.. كان الرجل فى قمة إعيائه فقد ابتلاه الله بمرض خطير ومع ذلك وجدته مجرد أن شاهد أبى.. هب من على سريره وكانت بجواره زوجته.. كما لو أنه يريد أن يسلم على أبى.. قال له أبى: سلامتك ربنا يرفع عنك.. وإذا بالرجل وفى حركة مفاجئة يمسك بيد أبى ويقول له بصوت وهن ضعيف: سامحنى.. وفى هذه اللحظة وجدت الدموع تنساب من عين أبى بشكل هستيرى وهو يسحب يده من يد الرجل، ويقول له: سامحتك.. وخرج أبى صامتاً، وما هى إلا أيام ومات الرجل، والأغرب أن أبى بكى عليه، ونسى أن هذا الرجل كان من أكثر الناس الذين ظلموه فى حياته.. لم أحدثه فى الأمر.. ولكنى وجدت نفسى أمام صديق مختلف.. يبدو أمام الناس قوياً وصلباً، وفى الواقع كان قلبه قلب طفل صغير، متسامحاً إلى أكثر درجات التسامح، وإذا كنت رأيت بعينى كيف يصفح عمن ظلمه.. فقد رأيت كيف كان يسأل ويصل من سبه وضره فى حياته.. وأسأله: انت بتكلم الراجل ده إزاى؟ يرد علىّ: يا ابنى، المسامح كريم، وبعدين هو خلاص مشى من السلطة أكيد ماحدش بيسأل عنه.. لهذه الدرجة تمتلك يا أبى قدرة على الصفاء والعفو لمن ضرك وأساء إليك.. لهذه الدرجة تستطيع أن تعفو وتغفر حتى مع من أكل فى لحمك.. وكان يرد علىّ دائما: أنا باتصدق بعرضى. رحم الله صديق عمرى.. كان نموذجاً فريداً تعلمت منه الكثير ومازلت أتعلم وأنا أعيش مع ذكرياته.. اقرأوا الفاتحة لآبائكم وأبى واذكروهم وادعوا لهم ولا تنسوهم بالزيارة.. ولى مع صديق العمر وقفات أخرى إن شاء الله.