عندما التقى والدى المنتج والسيناريست الكبير ممدوح الليثى رحمه الله بطبيب القلب الشهير (كير) فى جامعة ميونخ، سأله الطبيب: ماذا تعمل؟، فجلسنا مع الطبيب جلسة دامت أكثر من ساعتين على غير المعتاد، استمع فيها الطبيب الألمانى لقصة حياة والدى منه والشجن والحزن والفرح الذى لاقاه فى حياته، فرد الطبيب الألمانى بابتسامة غير معهودة على الأطباء الألمان فى تلك اللحظة: لقد تحمل قلبك الكثير، أنت رجل مقاتل على ما يبدو، فرد عليه والدى قائلاً: لقد علمتنى الأيام أن الضربات التى لا تقصم ظهرى تقويه.. هكذا كان والدى العظيم ممدوح الليثى مقاتلاً عنيداً وكم أغبط نفسى على أنى رزقت أن أكون ابناً لهذا الشخص العظيم الذى ظل حتى النفس الأخير الذى يتردد فى صدره مؤمناً أن فنه وعمله رسالة ويحمد الله أنه استطاع أن يصل برسالته لقلوب الناس رغم كل ما واجهه وما مر به إلا أنه كان مؤمناً أن ما يتبقى من الإنسان هو عمله وبالفعل استطاع اسم ممدوح الليثى أن يترك بصمته على كل عمل كتبه أو أنتجه فكنت دائماً أراه كالجواهرجى الذى يرى ما لا يراه الاخرون فيما بين يديه يكفيه أن يقتنع بالعمل الفنى الذى بين يديه حتى يصول ويجول ويبذل ما فوق طاقته ليخرج هذا العمل للنور حتى فى أيامه الاخيرة وفى فترة اشتداد مرضه أتذكر كيف كان هذا الرجل دؤوباً فى عمله، مخلصاً له ومؤمناً به لدرجة لا يتصورها عقل،
وكان كل ما يشغل تفكيره عمله وكتاباته، ففى رحلة علاجه الأخيرة بألمانيا أصر على تأجيل عملية قلبه، وعندما سأله الطبيب لماذا، أجابه والدى قائلاً: لقد بدأت مشواراً طويلاً مع قصة درامية أريد أن أكملها قبل أن أجرى هذه العملية، وعندما خرجت أنا ووالدى فى طريق عودتنا للفندق بعد لقائنا بالطبيب الألمانى اتذكر جيداً حديثى معه «قلت له لماذا لا نجرى العملية هنا (هنا أضمن) فرد على قائلاً: أريد أن أنهى كتابى وثانياً لا أريد أن أضعك فى موقف صعب فنظرت له باندهاش: ماذا تقصد، فأجابنى: أخشى أن أموت فى هذه العملية فتضطر أن تتحمل أعباءً صعبة كى تحمل جثمانى إلى القاهرة، وأنا أعرف صعوبة ذلك، فى تلك اللحظة ذرف الدمع من عينى، وأنا أستمع لكلماته وكأنى أرى ما يقوله أمام عينى، فرفضت كلامه مقاطعاً: بابا دى عملية بسيطة، وإن شاء الله هتبقى كويس. بعدها عدنا إلى القاهرة وانتهى أبى من كتابة قصته: الصديقان، وأجرى العملية بنجاح لكنها إرادة الله أن يفارق الحياة فى مطلع عام جديد كان ينتظر أن يأتى أول أيامه كى يسارع إلى دار النشر لينشر آخر أعماله الادبية وتمر السنوات وتحل الذكرى الخامسة لرحيل والدى الا أننى أعلم انه رحل عنى بجسده فقط فما زال موجوداً حولى وحول من أحبهم وأحبوه.. لا أنساه كى أتذكره فهو شاخصفى وجدانى الاب والاخ والصديق والسند.. رحمة الله عليه وعلى أمواتنا جميعاً.