عتبر نفسى محظوظًا لأننى التقيت وسجلت مع أغلب الشخصيات الذين شاركوا فى ثورة 23 يوليو من خلال حلقات برنامج «اختراق»، والتى قدمتها عن الثورة والأحداث التى مرت خلال الفترة من 52 حتى وفاة الرئيس جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970، واسمح لى عزيزى القارئ بأن أعرض عليك بعض شهادات شهود العيان الذين عايشوا وعاصروا وقاموا بهذه الثورة، التى بدأت بحركة وتحولت إلى ثورة عندما دعمها الشعب المصرى..
ومن أهم هذه الشهادات شهادة لواء أركان حرب جمال حماد، مؤرخ الثورة، عضو تنظيم الضباط الأحرار، الذى قال، فى حواره معى، إنه فيما يتعلق بالملك فاروق فإن الجيش والشعب كانا يحبانه منذ توليه الحكم عام 1937 حتى عام 1946، فهذه الفترة كانت فترة ازدهار بالنسبة للملك فاروق من ناحية حب الشعب والجيش له، وتدهورت شعبية الملك فاروق عام 1946 تدهورًا واضحًا، وفيما يخص حرب فلسطين 1948 فالملك هو مَن أعطى تعليمات بدخولها، على الرغم من علمه بحالة الجيش، ورفع سماعة التليفون على حيدر باشا ليعطى أوامره بأن يكون الجيش غدًا فى فلسطين، فالملك كان «ديكتاتورًا»، على حد وصف اللواء جمال حماد.. وفيما يخص حركة الضباط الأحرار فى ذلك الوقت، قال إنها حركة وطنية كل همها صالح مصر، ولم تُدعم من أمريكا، بل كانت حركة وطنية خالصة.. كما قال إنه عند قيام ثورة يوليو 1952 رفض الملك فاروق التسبب فى قيام حرب أهلية، ورفض أن تتقابل قوات الجيش، وفضل أن يرحل أول ما أُبلغ بالإنذار، فرحل فورًا.
ومن أهم أعضاء مجلس الثورة الذين التقيت بهم أيضًا السيد خالد محيى الدين، الذى قال إنه لم تكن هناك أى رغبة لتنظيم الضباط الأحرار فى أن ينتج عن الثورة أى دماء، واتفقوا على خروج الملك من مصر، وبعد استتباب الأمر للثورة وأعضائها، أغرى الوضع الذى أخذه أعضاء مجلس الثورة شبابًا من الضباط الأحرار وبدأت الصراعات فى الظهور. كما قال الأستاذ إبراهيم البغدادى، من الضباط الأحرار: «من أسباب ثورة 1952 ما عانه الضباط خلال حرب فلسطين، ما جعلهم يشعرون بأن المعركة الحقيقية للإصلاح يجب أن تكون داخل مصر وليس خارج مصر، بمعنى أن النظام الداخلى فى مصر كان (مخوَّخ)، بالإضافة إلى الوزارات المتعاقبة بعد 49، والفساد المستشرى، الذى كان يترأسه الملك والبطانة الخاصة به، وسيطرة إنجلترا على الحكم فى مصر، وتغيير الوزارات عن طريق قصر الدوبارة، الذى كان مقر السفارة البريطانية، كل هذه العوامل هى ما جعلت الضباط الأحرار يتحركون..»، وفى شهادة دكتور عبدالقادر حاتم، رحمه الله، عن تلك الفترة، قال إن الإنجليز كانوا يحكمون مصر بالفعل، فالسفير البريطانى كان يدخل على الملك، فى 4 فبراير عام 1942، ويحمل الأتباع السفير البريطانى، ويهتفون له، ويفرض على الحكومة وزارة معينة.. والمستشار البريطانى يدخل البرلمان، ويغير المضبطة الخاصة بالبرلمان.
وللحديث بقية.