من الحكايات التى ظلت محفورة فى وجدان عمى المنتج جمال الليثى والتى رواها لى أنه عندما تخرج فى الكلية الحربية كان الأول بامتياز فى امتحانات «الإشارة» وكان من الطبيعى أن يوزع على سلاح الإشارة إلا أنه فوجئ بكبير المعلمين فى الكلية الحربية وقتها البكباشى محمد إبراهيم يقول له «ما تزعلش يا جمال يا بنى.. إحنا وزعناك على سلاح المدفعية مش سلاح الإشارة.. لأن اللواء توفيق مجاهد وهو يرأس لواء عامل فى فلسطين طلب أن يلحق ابنه محسن توفيق مجاهد بسلاح الإشارة معه فى فلسطين».
وكانت صدمة قاسية له، وحضر حفل التخرج وتسلم جائزة التفوق من الفريق حيدر باشا وكانت ساعة «أنكر» سويسرى، وكانوا ينادون عليهم بالأسماء، ويصعد كل متفوق منهم ليسلم على حيدر باشا، ويتسلم جائزته، وانتهز جمال الليثى تلك الفرصة وهو يصافح القائد العام لكى يشكو له قائلاً: «أنا متفوق فى علم الإشارة ومع هذا ودونى المدفعية»، لكنه لم يزد على أن قال له «مبروك».
وفى أول لقاء له مع صديقه محسن توفيق مجاهد كان زميله محسن توفيق يشعر بالألم والأسى، لأنه كان يشعر بأنه السبب فى الظلم الذى وقع عليه، وقال له:
«أنا مستعد نروح سوا نقابل رئيس الأركان لنطلب منه أن نتبادل أماكننا، أنت تروح الإشارة وأنا أروح المدفعية». فقال له: «يا صديقى دا مش ممكن يحصل مين حيسمع كلامنا؟ إحنا ضباط صغار برتبة.. هذا هو قدرنا». وكانت لتلك الواقعة أثر كبير على حياة الأستاذ جمال الليثى، فقد نقل السيد محسن توفيق للعريش.
وذات يوم كان يركب عربية جيب ومرت على لغم فانفجرت ومات شهيدا.. وظل هناك إحساس دائم لدى جمال الليثى أنه قد فداه بحياته، لأنه لو كانت الأمور سارت كما يجب لكان هو من استشهد، وظلت هذه الحكاية تعيش معه طوال عمره، وتطل على واقع حياته بين فترة وأخرى لتذكره به.
وفى واحدة من تلك الإطلالات، وكان قد استقال من الجيش، وأصبح منتجًا سينمائيًا معروفًا، وفى مقر شركته للإنتاج السينمائى بشارع سراى بالأزبكية فى وسط البلد دخلت عليه سكرتيرته لتخبره أن هناك سيدة مسنة تريد أن تقابله، وقد أخبرتها أنها أم أحد أصدقائه. قابلها، وكانت سيدة فاضلة يبدو من مظهرها أنها جديرة بالاحترام، وقالت له: «أنا أم صديقك الشهيد محسن توفيق مجاهد، وأنا أرأس جمعية رعاية أسر الشهداء فى مصر الجديدة، وقد فكرت فى إقامة حفل فنى يخصص دخله للجمعية، وأنا أعرف أنك كنت زميل المرحوم محسن وصديقه، فطالما حدثنى عن هذه الصداقة قبل حادث استشهاده».
أبدى ترحيبه على الفور بمساعدتها.