فى ظل الأحداث الدائرة التى تمر بمصر حالياً، سألت نفسى: ماذا أكتب؟ هل أكتب عن أزمة لجنة الدستور والمخاوف المحيطة بها، أم أكتب عن الحكومة وأزماتها، أم أكتب عن الضجيج الإعلامى السائد حالياً ووجدتنى آخذ قراراً بالكتابة عن أناس ونماذج إنسانية لكل منهم تجربة إنسانية فريدة وكل منهم نموذج يحتذى به لعل وعسى، أستطيع أن أجعلك عزيزى القارئ تفكر ولو للحظات أن هناك أملاً وأن النور مكانه الطبيعى القلوب.. الأولى طفلة جميلة التقيتها منذ عامين اسمها ياسمين السمرة كانت تبلغ من العمر 13 سنة دعتنى لحضور معرضها السنوى للوحات التى تقوم برسمها وأصرت وعرفت من صديق لى أن هذه الطفلة مريضة بمرض نادر هو نقص الكولوجين وهو مرض خطير جداً ولا علاج له وأن المصير المحتوم هو الموت، فى تلك اللحظات قررت أن أذهب وألبى دعوة ياسمين لحضور افتتاح معرضها وكان لقاؤنا يفوق كل التوقعات شعرت من اللحظات الأولى بأنها مثل ابنتى.. أخذت تشرح لى اللوحات التى قامت برسمها ومن أين أتت تلك الأفكار.. كل ذلك وأنا لم أشعر ولو للحظة واحدة بأننى أمام طفلة مريضة تنتظر الموت بين لحظة وأخرى.. سألتها بحسن نية وقلت لها: «دخل المعرض هتعملى بيه إيه يا ياسمين».. أجابتنى بهدوء: «أنا متعودة كل سنة إنى أتبرع بحصيلة بيع اللوحات للأطفال اللى زيى واللى مصابين بنفس مرضى» فى تلك اللحظات لقنتنى ياسمين درساً جديداً فى حياتى، هذه الطفلة التى تواجه الموت تحاول أن تساهم فى علاج أمثالها من الأطفال الذين يعانون من نفس المرض، أى عزيمة هذه وأى إيمان وإصرار.. وفى حوارى مع ياسمين، شعرت بأنى أجلس مع إنسانة لديها خبرة السنين.. لم أشعر للحظة بأن ياسمين طفلة عندها 13 سنة.. كانت كلها عزيمة وإصرار وحيوية.. سألتها: من الذى يشجعك على المعرض؟ قالت لى ياسمين: ماما.. بالمناسبة والدة ياسمين هى الدكتورة هناء السادات وهى طبيبة تخصصها فى نفس مجال مرض ابنتها.. شعرت بالألم يعتصرنى، فالأم التى تقف بجانب ابنتها فى المعرض لتشجعها وتناصرها.. هى الأم الطبيبة التى تعرف أن حياة ابنتها فى خطر وأن ما ستقضيه من أيام فى الحياة أقل بكثير مما فات.. شعور صعب أن تشعر بأنك تجلس بالقرب ممن نحب وأن تعرف أنك بعد لحظات ستفارقه.. ومع ذلك، كانت د/ هناء هى السند لابنتها ياسمين.. وقضيت يوماً من أجمل الأيام مع ياسمين فى افتتاح معرضها، تمنيت ألا أتركها.. لقد أحببت تلك الفتاة وأحببت قوتها وصلابتها وشعرت بأنها دخلت قلبى كما قلت كما لو أنها ابنتى.. وفى نهاية المعرض، كنت حريصاً على أن ألتقط معها الصور الفوتوغرافية وأهدتنى لوحة جميلة رسمتها مكتوب عليها: واحد من الناس.. وما زاد من فرحتى عندما شاهدت زميلات ياسمين فى المدرسة الألمانية وهن يقفن بجانبها سعيدات ومشجعات لها.. إن مثل هؤلاء ليسوا أطفالاً، إنهم عظماء فى صورة أطفال يشعرون بألم زميلتهم ويعرفون ويدركون أنها لن تكون بجانبهم كثيراً ومرت الأيام وأنا أتتبع أخبار ياسمين وسعيد بنجاحها وسعيد أكثر بإيمانها وإصرارها على الوجود وإيمانها القوى بالله وعدم خوفها من المرض والموت، ومنذ أيام قليلة اتصل بى أحد أصدقائى وقال لى: «ياسمين السمرة تعيش إنت».. أسقط فى يدى ولم أتمالك نفسى.. لقد فقدت إنسانة قريبة جداً لقلبى.. فقدنا جميعا نموذجاً عظيماً للإصرار والتحدى.. إن ياسمين لم تمت، إنها تعيش فى قلوب جميع محبيها وزملائها.. فى قلوبنا جميعاً ذهب إلى العزاء والتقيت الأب المكلوم عمرو السمرة والأم هناء السادات ولم أكن أدرى: هل أعزيهم أم أعزى نفسى؟.. فلنقف على ذكرى ياسمين ولتكن ذكراها شمعه تضىء الطريق لنا جميعاً.. غابت ياسمين عن دنيانا ولكن لا تزال تعيش فى قلبى.. رحم الله ياسمين السمرة وأسكنها فسيح جناته وألهم أهلها الصبر.