الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
التقيت منذ فترة قصيرة من خلال برنامجى واحد من الناس بسيدة عظيمة هى رمز وقدوة مشرفة استطاعت تحويل المعاناة والإعاقة إلى بارقة أمل، فى تجربة نقتدى بها جميعاً فى الإيمان والصبر والجلد والتحمل والتحدى، فهذه السيدة العظيمة قضت واحدا وأربعين عاماً من عمرها فاقدة حاسة السمع وتعايشت بشجاعة وإيمان مع هذا الصمم ولم تشعر لحظة واحدة بأى نقص، وفجأة وبعد عملية جراحية ناجحة سمعت صوت العالم من حولها مرة أخرى.. تجربة إنسانية ملهمة لإنسانة قررت بكل إصرار وعزيمة أن تهزم الصمت المدوى من حولها وتثبت نجاحها وليس فقط من خلال نجاح عادى ولكنها اختارت مجالا ليس من السهل النجاح فيه فأصبحت الدكتورة فادية عبدالجواد أول طبيبة صماء فى العالم واستشارى الأمراض الجلدية والتجميل، وروت لى قصتها الملهمة وقالت لى إنها ولدت طفلة طبيعية تسمع وتتكلم وتشارك فى جميع الأنشطة المدرسية وكانت متفوقة فى دراستها وحصلت على الدرجات النهائية، وفجأة أصيبت بحمى شوكية فى سن 11 عاما.
أدت إلى فقدان كامل للسمع وأصبحت صماء والصمت من حولها كان مؤلما، وبعد أيام أقرنها الله بحالة من الهدوء والصبر، وفى يوم وهى جالسة بمفردها بغرفتها شاهدت مشهدا فى فيلم لإسماعيل ياسين وعبدالسلام النابلسى وكانت تحفظ هذا المشهد من قبل ولاحظت حركة شفايف الممثلين على الشاشة وقررت أن تعتمد على نفسها وتساعد نفسها وفى الفترة ما بين الإجازة الصيفية للمرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية كانت أتقنت قراءة حركة الشفايف لتواصل حلمها فى التفوق فتكون الأولى فى المرحلة الإعدادية وفى الثانوية كانت تذاكر بكل عزيمة وإصرار على النجاح ولم تشعر بأنها أقل من أى شخص حولها ولم تهتم بالتعليقات السلبية، التى كانت تتناثر من حولها بل كانت أحياناً تتخذ من هذه التعليقات السلبية وقودا للتحفيز الذاتى وشحن طاقتها وحصلت على 98% فى الثانوية، وقررت أن تكون طبيبة وتخدم الناس ووصلت لحلمها بدخول كلية الطب ليزداد التحدى صعوبة فى كلية من أصعب الكليات.
فكان كل يوم وكل محاضرة وسيكشن تحديا لها إلا أنها نسيت أنها صماء من فرط لهفتها على تحصيل العلم وعلى اجتياز ما تمر به من ظروف منذ صغرها ومارست مهنة الطب فى مصر وفى العديد من البلدان، وتزوجت وأنجبت، وبعد رحلة أربعين عاماً من الصمم لبت رجاء أبنائها لها لعمل عملية زراعة القوقعة واستعادت حاسة سمعها بعد رحلة صبر ومعاناة وكفاح وجلد.. تحية تقدير لهذه السيدة العظيمة وتحية تقدير لكل من كافح ونجح وآمن بنفسه وبقدراته.