الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
كان الحجاج بن يوسف ذات يوم فى الصيد، فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبى صغير السن
عمره نحو عشر سنوات وله ذوائب، فقال له الحجاج: ماذا تفعل هنا أيها الغلام؟، فرفع الصبى طرفه إليه وقال له: يا حامل الأخبار لقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتنى بالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار. فقال الحجاج له: أما عرفتنى؟، فقال الغلام: عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام. فقال الحجاج׃ ويلك أنا الحجاج بن يوسف. فقال الغلام: لا قرب الله دارك ولا مزارك، فما أكثر كلامك وأقل إكرامك. فما أتم كلامه إلا والجيوش حلّقت عليه من كل جانب، وكل واحد يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال الحجاج: احفظوا هذا الغلام فقد أوجعنى بالكلام. فأخذوا الغلام فرجع الحجاج إلى قصره فجلس فى مجلسه والناس حوله جالسون، ومن هيبته مطرقون وهو بينهم كالأسد، ثم طلب إحضار الغلام فلما مثل بين يديه، ورأى الوزراء وأهل الدولة لم يخش منهم بل قال: السلام عليكم. فلم يرد الحجاج السلام فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عالياً ومزينا بالنقوش والفسيفساء وهو فى غاية الإبداع والإتقان. فقال الغلام: أتبنون بكل ريع آية، تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاستوى الحجاج جالساً وكان متكئاً، فقالوا للغلام: يا قليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلام اللائق، ولماذا لم تتأدب فى حضرته؟، فقال الغلام: يا براغيث الحمير منعنى عن ذلك التعب فى الطريق، وطلوع الدرج، أما السلام فعلى أمير المؤمنين وأصحابه، يعنى السلام على علىّ بن أبى طالب وأصحابه. فقال الحجاج: يا غلام لقد حضرت فى يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك. فقال الغلام: والله يا حجاج إن كان فى أجلى تأخير لم يضرنى من كلامك لا قليل ولا كثير. فقال بعض الغلمان: لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام، فهو أمير العراق والشام. فقال الغلام: أما سمعتم قوله تعالى «كل نفس تجادل عن نفسها» فقال الحجاج: فمن عنيت بكلامك أيها الغلام؟. قال: عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه، وأنت يا حجاج على من تسلم؟، فقال الحجاج: على عبدالملك بن مروان. فقال الغلام: عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقال الحجاج: ولم ذلك يا غلام؟، فقال: لأنه أخطأ خطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير، فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالف الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بن مروان. فقال الغلام: يا حجاج أصلح جلساءك فإنهم جاهلون، فأشار الحجاج لجلسائه بالصمت. ودار نقاش بينه وبين الغلام خرج منه الغلام من بين يدى الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن اطلاعه. ثم قال الغلام: من أين أخرج يا حجاج؟، فأجابه الحجاج: اخرج من ذاك الباب فهو باب السلام. فقال الجلساء للحجاج: هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم تدله على باب النقمة والعذاب؟، فقال الحجاج: إنه استشارنى والمستشار مؤتمن.