الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
منذ حوالي ثلاث أعوام وأنا أتنقل من عشوائية إلى أخرى كانت هذه المرة الأولي لي في حياتي أن أنزل إلى عشوائية من العشوائيات .. كانت البداية عندما قررت تصوير أول حلقة من حلقات برنامج واحد من الناس فذهبت إلى مقابر الشافعي وهناك إلتقيت بسيدة بسيطة إسمها أم مختار تبلغ من العمر سبعون عاماً وتعيش في المقبرة ومعها حفيدتها التي تركت المدرسة للتفرغ للعمل في المنازل لتنفق على جدتها .. سألت أم مختار كيف تعيشون في المقبرة وفي العراء .. قالت الحمد لله .. سألتها لديكم ماء أو كهرباء قالت لي لا .. سألتها وأين تقضون حاجتكم فا أشارت إلى برميل موضوع في المقبرة وقالت لي في هذا البرميل .. شعرت بالأسى والألم لما شاهدته وتركت أم مختار وبعد يومين قدر لي أن يتبرع فاعل خير بشقة لأم مختار ويدخل حفيدتها المدرسة ويرسل لها راتب شهري .. وحمدت الله وقلت كيف يستطيع إنسان أن يعيش في المقابر .. ولكن ما هي إلا أيام وسافرت إلى بورسعيد وتحديداً في عشوائية إسمها زرزارة .. وهناك شاهدت مالم أشاهده في المقابر .. شاهدت أناس يعيشون في عشش من صفيح وقش .. ليس لها سقف يحميهم من برد أو مطر أو حر .. آلاف يعيشون فى تلك العشش ويقضون حاجتهم في العراء .. كما لو أننا عدنا بالزمن إلى آلاف السنين .. شاهدت بركة مياة كبيرة يسبح فيها أطفال في البداية أعتقدت إنها إمتداد للبحر ولكن فوجئت أن البحر على الجانب الأخر وما هذه البحيرة التي يسبح فيها الأطفال إلا بحيرة صرف صحي وقال لي أهل زرزارة أن بعض الأطفال قد غرقوا في هذه البحيرة .. وفي نفس الوقت وجدت أطفال لدغتهم الثعابين بسمومها .. وطفل أكل الفأر أذنه .. تحسرت وقلت في نفسي هل معقول ما أشاهده وصرخت في الميكروفون وقلت ألا يكون في هذه الدولة مسئول محترم يشعر بهؤلاء البشرالذين هم من رعايا جمهورية مصر العربية لكن للأسف لا مجيب .. سألت نفسى وقلت أن حديقة الحيوان في الجيزة الحيوانات فيها تنعم بالرعاية الطبية والمياة النقية وحتى الإنارة .. اما هؤلاء المصريين فلم يحصلوا حتى على الحقوق التي يحصل عليها الحيوانات في حديقة الحيوانات .. وبعد عودتي إلى القاهرة بدأت رحلتي مع العشوائيات .. فوجئت أن لدينا أكثر من ألف منطقة عشوائية في مصر .. يعيش فيها ملايين المصريين الصابرين على هذا البلاء .. ففى منطقة رملة بولاق التي تقع خلف البرجين الشهيرين على النيل يعيش فيها أكثر من عشرة آلاف إنسان حياة مؤلمة شاهدت فيها الحمار ينام في نفس العشة بجوار صاحبه .. شاهدت أسرة مكونة من 8 أفراد يعيشون في غرفة تحت شريط القطار وكلما تحرك القطار إهتزت الغرفة وسقطت محتوياتها بخلاف أن 8 أفراد ينامون بجانب بعضهم البعض شئ خطير وفيه إنتهاك واضح لحقوق الإنسان ومناخاً يدعو لوقوع أخطاء لست بصدد الحديث عنها الأن .. ومن رملة بولاق إلى منطقة بطن البقرة الشهيرة ( بالفواخرجية ) .. نفس الحياة اللاانسانية .. في عزبة الصفيح و الدويقة وعزبة خير الله وعزبة القرود والتي تبعد عن القصر الجمهوري كيلو متر واحد يومها تسألت وقولت ألا يشعر من يعيشون في القصر الرئاسي بهؤلاء والإجابة كانت .. لا .. وكنت اطرح وأقول ( لو في مسئول عنده دم ويتحرك وينقذ الناس دول ) وللأسف يبدوا ان المسئولين في ذلك الوقت قد أصابتهم الأنمية فلم يعد لديهم دم على الإطلاق .. وتنوعت وتعددت زيارتي إلى المناطق العشوائية من القاهرة إلى وابور الجاز و الطوبجية في الأسكندرية وهؤلاء والحمد الله إستطاع البرنامج أن ينقلهم إلى شقق نظيفة في منطقة العامرية .. لم أترك محافظة في مصر لم أذهب لها سوى محافظات قليلة في الصعيد .. كانت السمة الغلبة .. أن سكان العشوائيات أناس طيبين راضيون رغم انهم محرومين من الحقوق الأساسية التي يجب أن ينعم بها المواطن .. وللاسف العشوائيالت موجودة في مصر وحتى في أرقى الأماكن .. فلا تستبعد وانت تسير في حي الزمالك أو النزهة أن تشاهد مجموعة من الغرف الخشبية والصفيح موضوعة في الشارع يعيش فيها اناس منذ نكسة 67 ولم يساعدهم أحد .. ! لا تستبعد ان تجد أطفال ولدوا في داخل عشوائيات وليس لهم شهادات ميلاد لأنهم ساقطي قيد .. ( يعيش ويموت دون أن تستخرج له شهادة ميلاد أو وفاه ) .. ومن هنا أصبحت البيئة المحيطة بالعشوائيات تنذر بالخطر .. وتهدد السلام الاجتماعي للمجتمع المصري .. الا ان بعد قيام ثورة يناير لابد من إيجاد حلول جذرية لمشكلة العشوائيات .. لقد نجحت الثورة لأن الشعب المصري كله إتفق على مبدأ واحد وهو إسقاط النظام .. والأن دعونا نتفق على حل مشكلة العشوائيات وتطويرها بما يضمن الحياة الكريمة لأهالي تلك المناطق وهم بالملايين .. لقد خرج سكان الدويقة منذ أيام قليلة يطالبون بحقوقهم المسلوبة فى الحصول على مساكن ونقلوا خيامهم الى امام ماسبيرو وهذا حقهم منذ عشرات السنين .. لقد ظهرت العديد من المبادرات لإصلاح وتطوير العشوائيات فلنشارك فيها جميعا .. إن العشوائيات وصمة عار في جبين المجتمع المصري يجب أن نقضى عليها ولن يتأنى ذلك إلا بالعمل الاجتماعي التطوعي .. إننا نحتاج إلى تضميد جراح هؤلاء الشرفاء الذين يعيشون حياة البؤس يجب أن نذهب إليهم ونوفر لهم العلاج والكساء والتعليم وأن نعمل جاهدين على محو أثار الجريمة البشعة التي إرتكبها النظام السابق فى حقهم .. المهم أن نبدأ جميعا وأن نتعاون لإصلاح المناطق العشوائية وتحويلها إلى مناطق راقية تستحق أن يعيش فيها مواطنيين مصريين شرفاء .. ضحوا بالكثير وصبروا سنوات طويلة وآن آوان أن يستريحوا وينعموا بالحياة الكريمة