الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
منذ جئت إلى هذه الدنيا كان أول من رأته عينى.. أول ابتسامة كانت له، وأول ضحكة كانت فى حضنه، كان يهدهدنى ويقذفنى إلى السماء فأشعر كأنى مثل الطائر يطير بجناحيه.. مازلت أعيش على ذكرياته الخالدة فى ذاكرتى، فلن أنسى عندما كنا نسافر سويًا إلى الإسكندرية فى الصيف، وذات يوم كنت ألعب أمامه على البحر، وما هى إلا لحظات واختفيت، وجلست أبكى: فين بابا؟.. عايز بابا، وما هى إلا دقائق شعرت فيها بالضياع لمجرد أنى تُهت عن الشمسية التى كان يجلس تحتها هو وأمى وأصدقاؤهما.. حتى وجدت نفس الكف واليد التى أعرفها تربت على كتفى، وتحتضننى، وترفعنى إلى السماء وأنا أرى على وجهه عرقًا شديدًا.. من جهد بحثه عنى هو وصديقه.
وقد تورمت قدماه وهو يسير فى الرمال الساخنة ليبحث عن ابنه الذى تاه عنه، دقائق كانت بالنسبة له ساعات، وبالنسبة لى أيامًا.. أتذكر المحنة التى تعرضت لها أسرتنا الصغيرة بفقدان أخى الحبيب شريف، وكان والدى رحمه الله يحاول أن يبدو أمام الرأى العام وأمام الناس وأمام حتى أسرته الصغيرة قويًا ثابتًا، ولكنه فى الحقيقة كان ضعيفًا واهنًا، ولكنه كان مؤمنًا بقضاء الله، ومنذ تلك اللحظات بدأ مشوار جديد فى حياتنا لرحلة لم تنقطع لأبى وأمى عن بيت الله الحرام للشعور بالراحة والاستقرار بعد الهزة العنيفة التى عصفت بنا.. ولكن لم يتحمل قلب هذا الأب العظيم مشقة وألم فراق فلذة كبده، لنكتشف فى شتاء عام 1986 أن أبى مريض بمرض القلب، وأصيب قلبه بضعف شديد، لم يعرف الأطباء سببه، وإن كنت أنا قد عرفت.. فهناك جزء فى هذا القلب قد مات بعد رحيل شريف.. وبدأت رحلة مرض طويلة احتار أطباء القلب فى تشخيصها.
وفى تمام الساعة الخامسة فجرًا فى صيف عام 2008.. استيقظت على مكالمة تليفونية.. وكانت من والدتى.. قالت كلمات قليلة: (أبوك تعبان أوى.. تعالى بسرعة)، ذهبت له بسرعة البرق، وعند وصولنا لمستشفى الصفا ما هى إلا لحظات ودخلنا إلى غرفة العناية المركزة.. الضغط وصل إلى 50/10، ولمن يفهم أن ذلك معناه الموت، والنبض تقريبًا 10 وأيضًا هذا مؤشر خطير.. وتوقف قلب والدى ليمسك الطبيب بجهاز الصدمات الكهربائية، وبدأ يعطى قلب أبى صدمات كهربائية كمحاولة أخيرة لإنقاذه.. بعد أن تأكد لى ولأمى أنه قد مات.. ولأن الأجل لم يحن بعد.
فقد استجاب قلب أبى للصدمة الكهربائية، وعاد له نَفَسه الطبيعى وضغطه، وبعدها قرر دكتور القلب الشهير أحمد عبدالعزيز أن يُركب لأبى جهاز صدمات كهربائية، وعلى مدار السنوات الخمس السابقة أعطى الجهاز عدة صدمات لقلب أبى، لكن لا شىء يعلو إرادة الله، ففى يوم 1 يناير 2014 عندما توقف قلبه لم يستطع الجهاز أن يفعل شيئًا لأنها إرادة الله.. رحم الله والدى وحبيبى وصديق عمرى.