الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
لقد اكتسبنا احترام العالم عندما اندلعت مظاهرات الأحرار تطالب بالعدالة الاجتماعية والقضاء علي الفساد المنتشر في مصر منذ ثلاثين عاماً .. خرجت المظاهرات وتحولت الي ثورة شعبية ملحمية رائعة .. أعادت للمصريين ثقلهم الاقليمي والدولي .. وبدا المصريون يلاقون الاعجاب والاحترام المفقود من شعوب عربية وأوروبية .. وعاد لمصر والمصريين مكانتهم التي فقدوها علي يد النظام السابق .. وتوالت المظاهرات التي ضغطت علي صناع القرار في مصر بدءاً من مطالبتهم بإقالة حكومة شفيق وانتهاءً بمحاكمة الفاسدين الكبار وعلي رأسهم مبارك واعوانه وابنائه .. كان لخروج المظاهرات قيمة ايجابية كبيرة ومؤثرة لانها تخرج علي اساس تحقيق اهداف سامية وإعلاء قيم نبيلة والتأكيد علي تنفيذ مطالب الثورة .. وللأسف توالت ايضا اندلاع تظاهرات من نوع آخر .. غلب عليها عنصر تصفية الحسابات والخلافات الشخصية .. فأصبح كل موظف او شخص غاضب من رئيسه أو من أي قرار إداري يقف ليتظاهر ضده .. في الشارع او امام مكان عمله .. متناسياً ان هذه المظاهرة تعطل حركة المرور بل تشله .. ألم يفكر ان هناك مرضي يريدون الوصول الي المستشفيات للعلاج .. ألم يفكر في ان مصالح الجميع تتعطل نتيجة هذا التظاهر والازدحام .. ان هذه التظاهرات ليست في محلها بل انها تفسد قيمة التظاهر الحقيقي الذي ادي الي اسقاط النظام بأكمله .. ففي محافظة قنا خرج بعض الاهالي معربين عن رفضهم لتعيين محافظ قبطي ينتسب لهيئة الشرطة .. ادت هذه الاعتراضات الي شل حركة السكك الحديدية وتم قطع الطرق ..وتوقفت حركة نقل المازوت الي المصانع العاملة هناك .. بل توقفت الحياة بالكامل لانقطاع المواصلات ..وجدت نفسي أتساءل لماذا كل هذه التظاهرات وهل هي في محلها ام لا .. وكيف تأكد شعب قنا ان المحافظ الجديد فاشل وان تاريخه اسود كما يقولون ( رغم أنه لم يتسلم بعد ) .. وهل هناك جماعات مارست ضغوطاً لرفض تعيين المحافظ لمجرد انه قبطي .. واذا صح ذلك ألا يخلق هذا شعور بالقلق لدي الاخوة الاقباط في مصر من تخوفهم من سيطرة قوي دينية علي مقاليد السلطة واتخاذ القرار في مصر ؟ كل هذه التساؤلات دارت في ذهني ولم اجد اجابة شافية لها ..واذا افترضنا ان الحكومة رضخت لتلك التظاهرات وأقالت محافظ قنا الذي لا اعرفه من قبل .. هل معني ذلك ان الحكومة قد فقدت هيبتها .. وعرف الجميع الاسلوب الامثل للضغط علي الحكومة للاطاحة بأي مسئول لا يرضون عنه او حتي يختلفون معه او حتي (مش عاجبهم شكله) .. هنا اصبحنا في مفترق طرق .. ان هناك دولة وحكومة وإما ان تكون سياسة الصوت العالي هي الكفيلة بعزل اي مسئول من منصبه مهما علا شأنه او صغر .. فكيف اذا تستقيم الامور وكيف نستطيع ان نحقق استقراراً في الاوضاع الاقتصادية السيئة ونبدأ مرحلة البناء والانتاج .. اشعر ان هناك تصوراً خاطئاً لدي البعض لمفهوم الديمقراطية .. وحرية الرأي .. واخشي ما اخشاه ان يعتقد البعض ان ما يقومون به من تظاهرات وإضرابات يحقق مفهوم الديمقراطية .. بل اكثر من ذلك فإن المتظاهر اصبح لا يكتفي باعلان رأيه ولكنه يتمسك ان تنفذ رغبته والا لن يفض التظاهرة .. وهنا تتحول الديمقراطية التي نصبو اليها الي ديكتاتورية فرد او افراد .. لا يرون غير رأيهم ولا يستمعون لاي اصوات اخري تحاورهم او تختلف معهم .. وهنا مكمن الخطر.. وبداية الانهيار الحقيقي.. فثورة 25 يناير قامت لإعلاء الديمقراطية والقضاء علي ديكتاتورية النظام الفرعوني السابق .. فإذا ما تبدل الحال واصبح الشعب حرا فلا يجب علي احد ان يستأثر بالرأي ويرفض الآخر وإلا نكون قد وقعنا في نفس الفخ الذي وقع فيه النظام السابق .. فقد كان الشعب يقول ويصرخ وكان نظام مبارك (ودن من طين وودن من عجين ) اني واثق ان الجميع محبون لمصر ويجب ان نسمو فوق الصغائر وان نتجاوز الخلافات الشخصية وان نعيد للمظاهرات قيمتها الحقيقية في انها اداة للتغيير و التعبير عن مطالب شعب وليست مجرد وسيلة لتحقيق أهداف شخصية .. يجب ان نعطي حكومة د / عصام شرف فرصتها كاملة للعمل .. فلقد ادت هذه الحكومة كماً كبيراً من الانجازات في فترة بسيطة بل أراها حكومة شعبية تتلامس مع المواطن البسيط وتشعر بآلامه .. فلنعطيهم فرصة للعمل .. فلنجعلهم يختارون المحافظين والمسئولين المناسبين ونعطي لأنفسنا فرصة للحكم عليهم وتقييم ادائهم بعد فترة وإن كنت أري أن اختيار المحافظ يجب أن يكون بالانتخاب وليس بالتعيين.. وحتي تكون احكامنا صحيحة .. وان نتجنب اثارة الفتن وألا نعطي اذننا لكل واش لا يريد الخير لهذا البلد .. ولننبذ العنصرية والطائفية فلا نقيم وزيراً او محافظاً او اي مسئول بناء علي ديانته لكن علي ادائه وطهارة يده .. ان مصر في اشد الحاجة الماسة لان نحبها بقلوبنا وعقولنا والا تكون كلمة الحب مجرد حبر علي ورق بل علينا ان نبدأ بالعمل الفوري والانتاج .. إن الأوضاع الاقتصادية تسوء كل يوم والاحتياطي النقدي يتضاءل .. وأصبح العبء علي كاهل الحكومة عظيم .. وتوقفت عجلة الإنتاج والكثير من المصانع قد أغلقت .. بخلاف ارتفاع نسبة البطالة بخلاف العمالة العائدة من السعودية بعد تفعيل قانون (السعودة) والعمالة العائدة من البحرين وليبيا واليمن بخلاف ارتفاع أسعار السلع الرئيسية .. ألا يدعونا كل ذلك للإسراع في البناء ودفع عجلة التنمية .. إنني أدعو المجتمع المصري بجميع فئاته وطوائفه أن ينحاز لمصر ويتجاوز مشاكله الشخصية والفئوية وان نسارع لبناء مصر الحديثة .. فليقم الجميع بدوره (السياسي والمثقف ورجل الأعمال والفنان والإعلامي والعامل والفلاح) .. ولنؤكد للعالم أن ثورتنا قد نجحت وأتت بثمارها .