الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
كان المنظر مهيبا عظيما، والحشود الغفيرة القادمة من كل صوب تردد فى خشوع وإيمان «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك»، الكل يلبى ويدعو بما جاشت به نفسه ويلقى حموله التى تجثم على صدره للمولى عز وجل، فى يوم عرفة يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، أعظم الأيام وأفضلها.
إنه يوم مغفرة الذنوب والستر على العيوب، إنه يوم العتق من النيران، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم عرفة ينزل الله إلى سماء الدنيا فيباهى بهم الملائكة فيقول: (انظروا عبادى أتونى شعثًا غبرًا من كل فج عميق، أشهدكم أنى قد غفرت لهم). فما من يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة»، ويا له من مشهد عظيم ترتجف له الأبدان.
فكيف تلاقى ربك وتدعوه وكيف تواجهه سبحانه وتعالى وأنت ملىء بالذنوب التى قد أثقلت كاهلك؟، ولكن الجميع يطمع فى رحمة الله سبحانه وتعالى، فتجد الوجوه شاحبة.. والأنفاس معدودة.. وقطرات الدموع تنسكب على الوجوه كالسيول.
والأيدى مرفوعة إلى السماء تتمنى العفو من الله، تتمنى أن يقبل الله توبتها.. الجميع موقن أنه قد غفر له امتثالًا لقول الرسول، عليه الصلاة والسلام «من حج ولم يرفث ولم يفسق عاد كيوم ولدته أمه».
لا فرق بين غنى وفقير ولا أبيض وأسود ولا رئيس ومرؤوس.. الجميع يرفع أكف الضراعة طالبًا المغفرة والعفو والعافية فى الدين والدنيا. ما أجمل تلك اللحظات التى يتوحد فيها العبد مع خالقه ناسيًا ملذات الدنيا.. ناسيًا أمواله وأولاده.. لا يذكر إلا الله ولا يخشع إلا لله.. ملايين البشر تتزاحم وتتواجد فى كل بقعة من بقاع عرفة.
لا يشغلها سوى ذكر الله، والأماكن الضيقة انفرجت لتسع ملايين المؤمنين الذين جاءوا من كل فج عميق، ولا تكفى الكلمات لوصف هذا المشهد الذى يصحو فيه الضمير الإنسانى ويفيق من غفوته وتجدد له فرصة البدء من جديد، وكيف لا وقد عاد كيوم ولدته أمه.. فاللهم اكتبنا من المقبولين الفائزين المستبشرين.
وكل عام وأنتم بخير.