الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
تحدثت فى المقالين السابقين عن علاقة الصداقة التى جمعتنى بالفنان الكبير كمال الشناوى الذى اعتدت أن أقابله يوميًا فى صالة الرياضة بفندق النيل هيلتون سابقا، ولكن فى هذا اليوم كان حزينا على غير عادته مهموما، كان ذلك اليوم هو يوم عيد الأم عام ١٩٩٣ قال لى: اليوم أصعب يوم فى حياتى. فسألته ليه يا أستاذ كمال فرد عليه: بعيط فى اليوم ده على أمى كأنى عيل صغير فقد أمه. فرددت عليه: الأم أغلى إنسانة فى حياتنا كلنا، فرد قائلا: أمى يا عمرو تمثل كل شىء فى حياتى ووجودى ونجاحى، لها الفضل
الكبير فى نجاحى ورغم كبر سنى إلا أننى مازلت أشعر باحتياجى الشديد لها، فلا يوجد أحد يعوض الأم بأى شكل فحبها لى لم يكن مشروطا، كانت الملجأ والملاذ وكان لها فضل كبير عليا لا يمكن أن أنساه أبدا.
كنت فى مدرسة المنصورة الابتدائية، وكان معلمى الأستاذ عبدالعزيز السيد وهذا الأستاذ هو الذى اكتشف وجود ميول فنية لدى سواء فى التمثيل أو الغناء، فوجدت نفسى فنانا منذ أن كنت طفلا فى الثامنة من عمرى واشتهرت فى المنصورة باسم الشناوى، فكنت أرى الفرحة فى عيون أمى وكانت فخورة بى منذ الطفولة وحتى بعد أن أصبحت نجما مشهورا لم توجه لى النقد أبدا فحتى عندما لم أكن جيدا كفاية كانت تقول لى «إنت عظيم» فكانت تمدنى دائما بإحساس أنه يجب على أن أكون عظيما دائما لأجلها، وأحيان كثيرة أشعر بأننى لم أكن جيدا كفاية تجاه أمى أو لم أعطها الذى يمكن أن أعطيه لها ولا يمكن أن أوفيها حقها فلقد قدمت لى الكثير.
ولا أنسى أيامها الأخيرة ومرضها وذهبت بها لدكتور إسماعيل السباعى، وكان استشاريا فى أمراض الأورام، وما إن رآها حتى رحب بها ترحابا شديدا وبدون أن يكشف عليها قال لها «ما شاء الله إنتى كويسة»، وكلامه بعث الطمأنينة فى نفسى حتى انتعش الأمل فى قلبى وكتب روشتة ولكنه قال لى بينى وبينه «كمال.. الحالة متأخرة جدا».
وكانت الصدمة قوية ولكن حرصت بعد ذلك على أن آخذها معى فى السيارة لمشاهدة مسرحيتى «مصيدة للإيجار» رغم اعتراض والدى الذى رأى أننى أتعبها بذلك وعند عودتنا من المسرح كانت تعلو الابتسامة وجهها الجميل وفعليا كانت بتشفى ولم تكن تشعر بالألم الذى تشعر به فى سريرها، وفى يوم ٨ مارس وكان المرض اشتد عليها توفاها الله، وكانت المسرحية مازالت تعرض ورغم الحالة التى كنت فيها إلا أن أزواج أخواتى ألحوا عليا للنزول للعرض لأن الناس بدأت تتوافد على المسرح ورغم الحيرة التى وقعت فى نفسى من موافقتى على النزول إلا أن ما حدث كان غريبا.
فيقال إنى مثلت فى ذلك اليوم أحسن من أى يوم آخر ولكن تسرب خبر وفاة أمى للصالة وبعد نزول الستارة بكيت بكاء شديدا وحملنى زملائى على أكتافهم والجمهور استمر فى التصفيق، وكان سر بكائى على أمى التى تركتها وجيت أمثل، فما فعلته كان خطأ وعزانى الجميع، وكان آخر ما قالته لى أمى «ربنا معاك يا ابنى».. رحم الله الفنان العظيم كمال الشناوى ووالدته وجميع أمواتنا.