الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
صدر، منذ أيام قليلة، من دار الشروق المصرية آخر ما كتب والدى، رحمه الله، ممدوح الليثى قبل وفاته بيومين، كتاب «الصديقان عامر وناصر 67»، ولن أتحدث عن الكتاب وفصوله وأفكاره، لكنى عندما أمسكت بالنسخة الأولى للكتاب مر بذاكرتى شريط من الذكريات تذكرت صديق العمر والدى، وكيف كان هذا الرجل دؤوباً فى عمله، مخلصاً له ومؤمناً به لدرجة لا يتصورها عقل، فقبل وفاته بأيام سافرنا إلى ألمانيا، حيث كان والدى يعانى من ضعف فى عضلة القلب، وفى الفترة الأخيرة أصابت قلبه رفرفة أذينية، وهو ما رآه الأطباء فى مصر مؤشراً خطيراً على حياته، سافرت معه فى رحلة شاقة، بدأت بالطائرة التى أقلعت متجهة إلى ميونخ، وبعد حوالى نصف ساعة، ومن المرات النادرة أن يعلن كابتن الطائرة أن بها عطلاً فنياً، ويجب أن نعود إلى القاهرة، ورغم صعوبة لحظات العودة على جميع الركاب، بمن فيهم أبى، وكان الجميع خائفاً أن تسقط الطائرة قبل أن تصل إلى مطار القاهرة إلا أنه عندما عدنا وبصلابة نفسه صمم على أن يسافر مرة أخرى فى الرحلة التالية، رغم أن أغلب الركاب قرروا عدم السفر مرة أخرى، وعندما سافرنا كان والدى، رحمه الله، كله أمل أن تكون هذه الرحلة شفاءً لقلبه، وأن يعود لينتهى من كتابه «الصديقان».. وعندما التقى والدى بطبيب القلب الشهير (كير) فى جامعة ميونخ، سأله الطبيب ماذا تعمل فجلسنا مع الطبيب جلسة دامت أكثر من ساعتين على غير المعتاد، استمع فيها الطبيب الألمانى لقصة حياة والدى منه والشجن والحزن والفرح الذى لاقاه فى حياته، فرد الطبيب الألمانى بابتسامة غير معهودة على الأطباء الألمان فى تلك اللحظة،
لقد تحمل قلبك الكثير، أنت رجل مقاتل على ما يبدو، فرد عليه والدى قائلاً: لقد علمتنى الأيام أن الضربات التى لا تقصم ظهرى تقويه.. نصح الطبيب والدى بإجراء عملية فى القلب فى ألمانيا عبارة عن صدمة كهربائية للقلب حتى يشفى من الرفرفة الأذينية التى أصابته، فطلب منه والدى أن يؤجل هذه العملية، فقال له الطبيب لماذا، فأجابه والدى قائلاً: لقد بدأت مشواراً طويلاً مع قصة درامية أريد أن أكملها قبل أن أجرى هذه العملية، فيبدو أن الشغف قد أصاب الطبيب ليسأله عمن هم أبطال القصة، فأجابه والدى بأنهم الصديقان جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، فابتسم الطبيب وقال: لا يوجد هناك مانع من أن تنهى كتابك وتجرى هذه العملية فى القاهرة،
وعندما خرجت أنا ووالدى فى طريق عودتنا للفندق بعد لقائنا بالطبيب الألمانى قلت له لماذا لا نجرى العملية هنا (هنا أضمن) فرد علىَ قائلاً أريد أن أنهى كتابى وثانياً لا أريد أن أضعك فى موقف صعب فنظرت له باندهاش: ماذا تقصد، فأجابنى: أخشى أن أموت فى هذه العملية فتضطر أن تتحمل أعباءً صعبة كى تحمل جثمانى إلى القاهرة، وأنا أعرف صعوبة ذلك، فى تلك اللحظة ذرف الدمع من عينى، وأنا أستمع لكلماته وكأنى أرى ما يقوله أمام عينى، فرفضت كلامه مقاطعاً: بابا دى عملية بسيطة، وإن شاء الله هاتبقى كويس. بعدها عدنا إلى القاهرة وانتهى أبى من كتابة قصته: الصديقان، وأجرى العملية بنجاح لكنها إرادة الله أن يفارق الحياة فى مطلع عام جديد كان ينتظر أن يأتى أول أيامه كى يسارع إلى دار النشر لينشر كتابه الأخير «الصديقان».. وها أنا اليوم الحمد لله أتممت وحققت رغبته فى نشر هذا الكتاب الذى شهد آلام قلبه وذكريات حياته، واليوم تمر ذكراه فأذكره وأحتسبه عند الله، وأدعو كل إنسان مازال والده على قيد الحياة أن يجلس بجانبه ولا يفارقه فإنها نعمة لا يشعر بها إلا من زالت عنه.. اقرأوا الفاتحة لوالدى ولأمواتكم وادعوا لهم بالرحمة.