الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البــــلاء؛ قال تعالى «إنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» صدق الله العظيم، ومن النماذج العظيمة التى تضرب الأمثال بها فى الصبر على الابتلاء عروة بن الزبير وهو أحد أبناء الصحابى الجليل الزبير بن العوام رضى الله عنه (حوارى الرسول عليه الصلاة والسلام)، وأمه أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها (ذات النطاقين) فقد طلب الخليفة الوليد بن عبدالملك عروة بن الزبير لزيارته فى دمشق مقر الخلافة الأموية، فتجهز عروة للسفر من المدينة إلى دمشق وأخذ أحد أولاده معه (وكان أحب أبنائه السبعة إليه) وتوجه إلى الشام، فأصيب فى الطريق بمرض فى رجله أخذ يشتد ويشتد حتى إنه دخل دمشق محمولاً لم يعد لديه قدرة على المشى، فجمع له الخليفة أمهر الأطباء لمعالجته، فاجتمع الأطباء وقرروا أن به الآكلة وليس هناك من علاج إلا بتر رجله من الساق، فانزعج الخليفة أن تبتر رجل ضيفه، ولكن الأطباء أكدوا أنه لا علاج له إلا هذا وإلا سرت إلى ركبته حتى تقتله، فأخبر الخليفةُ عروةَ بقرار الأطباء، فلم يزد على أن قال (اللهم لك الحمد). اجتمع الأطباء على عروة وقالوا: اشرب المرقد. فلم يفعل وكره أن يفقد عضواً من جسمه دون أن يشعر به. قالوا: فاشرب كأساً من الخمر حتى تفقد شعورك. فأبى مستنكراً ذلك، وقال: كيف أشربها وقد حرمها الله فى كتابه. قالوا: فكيف نفعل بك إذن؟ قال: دعونى أصلى فإذا أنا قمت للصلاة فشأنكم وما تريدون (وقد كان رحمه الله إذا قام يصلى سهى عن كل ما حوله وتعلق قلبه بالله تعالى). فقام يصلى وتركوه حتى سجد فكشفوا عن ساقه وأعملوا مباضعهم فى اللحم حتى وصلوا العظم فأخذوا المنشار وأعملوه فى العظم حتى بتروا ساقه وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكناً وصبر على قطعها، وما تغيّر وجهه.. فى هذه الأثناء أتى خبر للخليفة أن محمد بن عروة بن الزبير كان يتفرج على خيول الخليفة، وقد رفسه أحد الخيول فقضى عليه وصعدت روحه إلى بارئها!! فاغتم الخليفة كثيراً وحزن ولم يعرف كيف يوصل له خبر موت أحب أبنائه إليه. ترك الخلفية عروة بن الزبير حتى أفاق، فاقترب إليه وقال: أحسن الله عزاءك فى رجلك. فقال عروة: اللهم لك الحمد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. قال الخليفة: وأحسن الله عزاءك فى ابنك. فقال عروة: اللهم لك الحمد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، أعطانى سبعة وأخذ واحداً، وأعطانى أربعة أطراف وأخذ واحداً، إن ابتلى فطالما عافى، وإن أخذ فطالما أعطى، وإنى أسأل الله أن يجمعنى بهما فى الجنة.. ثم قدموا له إناء فيه ساقه وقدمه المبتورة قال: إن الله يعلم أنى ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم.. وذات يوم دخل عروة مجلس الخليفة، فوجد فى مجلس الخليفة شيخاً طاعناً فى السن مهشم الوجه أعمى البصر، فقال الخليفة: يا عروة سل هذا الشيخ عن قصته. قال عروة: ما قصتك يا شيخ؟ قال الشيخ: يا عروة اعلم أنى بت ذات ليلة فى وادٍ، وليس فى ذلك الوادى أغنى منى ولا أكثر منى مالاً وحلالاً وعيالاً، فأتانا السيل بالليل فأخذ عيالى ومالى وحلالى، وطلعت الشمس وأنا لا أملك إلا طفلا صغيرا وبعيرا واحدا، فهرب البعير فأردت اللحاق به، فلم أبتعد كثيراً حتى سمعت خلفى صراخ الطفل فالتفتُّ فإذا برأس الطفل فى فم الذئب فانطلقت لإنقاذه فلم أقدر على ذلك فقد مزقه الذئب بأنيابه، فعدت لألحق بالبعير فضربنى بخفه على وجهى، فهشم وجهى وأعمى بصرى!!. قال عروة: وما تقول يا شيخ بعد هذا؟ فقال الشيخ: أقول اللهم لك الحمد، ترك لى قلباً عامراً ولساناً ذاكراً. ويبشر المولى عز وجل الصابرين بالثواب العظيم.. قال الله عزّ وجلَّ «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» فاللهم اجعلنا من عبادك الصابرين الشاكرين.