الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
الرئيس والمشيركان بيان المجلس العسكري يوم 2 فبراير والذي يؤكد فيه مطالب الشعب برحيل مبارك بداية النهاية في العلاقة بين الرئيس مبارك والمشير طنطاوي.. وكما تردد فإن مبارك عاتب المشير علي البيان.. واعتبره مبارك موجهاً ضده في المقام الاول.. ويبدو ان الصراع بدأ في تلك اللحظة الفارقة والتاريخية يحتدم.. ويبدو ايضا ان الرئيس السابق مبارك كان مغيباً وان من حوله لم يفصحوا له عن فداحة الامر.. فقد حكي لي الوزير السابق فاروق حسني انه يوم ان ذهب لتقديم استقالته اتصل به الرئيس السابق مبارك واخذ يداعبه في التليفون ويسأله بقهقهة (هل صحيح ان الحرامية دخلوا منزله) ويستطرد مبارك قائلا لحسني اإنهم صوروه بالاقمار الصناعية وهو بيحاول ان يركب لنش للهروب من المنزل) .. وما فاجاني به فاروق حسني في حواري معه عندما قال لي: إن مبارك قال له هو احنا مش حنفتتح معرض الكتاب بكرة فرد عليه حسني قائلا لا يا فندم احنا اعتذرنا لجميع العارضين وسافروا.. ثم اني بكرة مش هاكون وزير ثقافة.. وانهي حسني كما حكي لي مكالمته مع مبارك وهو مندهش.. لان مبارك يتحدث معه وكأن شيئاً لم يحدث رغم ان البلد ملتهبة والمظاهرات تملأ الشوارع.. ويبدو ان ما شعر به فاروق حسني شعر به ايضا المجلس العسكري.. حيث يبدو ان مبارك كان في واد ومصر كلها في واد آخر.. نعود لمبارك والمشير طنطاوي فقد بات واضحا ان المجلس العسكري قد رجح كفة الشعب علي مبارك القائد الاعلي.. علي الرغم ان قسم اليمين لضباط الجيش يؤكد ولاءهم للقائد الاعلي للقوات المسلحة.. لكن انهيار الامن وعدم قدرته علي احتواء الازمة في مصر.. وخروج الملايين اكد للجيش انه يجب ان يكون مع الشعب وليس مع القائد الاعلي وبالطبع كان هذا القرار محفوفاً بالمخاطر.. لانه لو كانت الثورة فشلت وعاد مبارك للسلطة.. كان اول شئ سيقوم به هو محاكمة المشير طنطاوي ورفاقه.. وبعد موقعه الجمل بات خلاف المشير مع مبارك واضحاً للجميع.. ويبدو ان في هذه اللحظات بدأ جمال مبارك يلعب دوراً في الاطاحة بالمشير طنطاوي.. فتردد في ذلك الوقت ان هناك قراراً جمهورياً قد صدر من مبارك الاب بايعاز من مبارك الابن بإقالة المشير طنطاوي ورئيس اركان الجيش سامي عنان وتعيين قائد الحرس الجمهوري بدلا منه.. وان هذا القرار ارسل للتليفزيون المصري لاذاعته.. الا ان رئيس قطاع الاخبار في ذلك الوقت اتصل بمدير الشئون المعنوية وعرض عليه الامر وبالفعل لم يذع القرار.. وبناء علي هذا التصرف كان هناك رد عاجل من المجلس العسكري من خلال بيان اذيع وكان ملقي البيان هو اللواء اسماعيل عتمان رئيس الشئون المعنوية اكد فيه دعم المجلس العسكري لثورة الشعب.. وهذه المعلومات توافرت لدي ولدي آخرين من خلال تسريبات صحفية ولكن لم يخرج مصدر رسمي حتي الآن ليؤكدها لكن تصاعد الاحداث يؤكدها.. وفي اليوم التالي لهذه الواقعة زار المشير طنطاوي المنطقة المحيطة بالتليفزيون وشاهده الجميع وهو يربت علي كتف احد العساكر من الحرس الجمهوري ويشد من أزره.. في تلك الاوقات كان اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات يتصل بمبارك يوميا ويطلب منه ان يترك البلاد الي الخارج.. وقد باءت جميع محاولات سليمان لاقناع مبارك في ترك السلطة والسفر الي الخارج الي المانيا تحت مسمي العلاج في هايدلبرج بالفشل.. عندما قرر المشير طنطاوي ان ينحاز للشعب والشباب في ثورته كان موقناً ان نفس الشعور الموجود لدي الشباب في ميدان التحرير موجود ايضاً لدي شباب الضباط في داخل القوات المسلحة.. وكان المشير يعي تماما ان ضباط الجيش لن يتورطوا في اطلاق النار علي الشعب المصري.. وكان الاحساس الغالب علي اعضاء المجلس العسكري ان هناك دينٌ يجب رده للشعب المصري الذي تحمل عار الهزيمة وعوده الجيش مهزوما في حرب 1967 ومع ذلك لم يحاسب الشعب جيشه علي ذلك .. هذا الشعور جعل الجيش وقادته يدركون ان الشعب المصري العظيم لا يستحق منهم إلا كل حب وتقدير.. لذا فقد بات واضحا ان الجيش المصري بقادته وضباطه وجنوده مع الشعب ضد مبارك.. وجاءت اللحظات الاخيرة.. وعقب رفض مبارك الانصياع لنصيحة عمر سليمان بترك البلاد.. سمحت القوات المسلحة للمواطنين بالذهاب الي مقربة من منزل مبارك ليسمع بأذنه الشعب وهو يقول له ارحل.. واتصور ان هذه اللحظات هي الحاسمة في هذا الصراع.. لانها ما هي الا سويعات قليلة.. واتصل مبارك بالمشير طنطاوي كما تردد وابلغه انه سيترك قصر الرئاسة الي شرم الشيخ.. وفي نفس الوقت طلب من عمر سليمان القاء بيانه بتخليه عن السلطة.. وفي نفس اليوم اصطحب احد قادة القوات المسلحة مبارك في طائرة هليكوبتر متجها الي شرم الشيخ .. وبذلك حسم الصراع لاول مرة لصالح المشير والشعب ضد الرئيس.. وإن كانت الاوضاع السياسية مغايرة تماما لما حدث من قبل بين ناصر وعامر والسادات واحمد بدوي ومبارك وابو غزالة.. ففي هذه المرة خرج الشعب المصري لاسقاط النظام واذا لم يكن الجيش منضما للشعب وكان في نفس القارب فإن ذلك يعني لكل من هو مبصر ومتفهم لطبيعة الامور.. ان هذه الثورة الشعبية كانت ستتحول الي انقلاب عسكري.. لذا فإن قرار المشير ورفاقه بالانحياز لثورة الشعب ضد مبارك رغم العلاقة التي تربطهم ببعضهم البعض كان قراراً وطنياً سليماً ولن ينساه التاريخ.