الرئيس والمشير (٢ – ٢)
بقلم عمرو الليثى
٢٢/ ٧/ ٢٠١١
لماذا تخلص مبارك من أبوغزالة؟
علاقة غريبة ومتشابكة جمعت بين الرئيس والمشير على مدار تاريخ مصر.. فعندما زادت شعبية عبدالحكيم عامر فى الجيش كان ذلك مصدر قلق ليس للرئيس عبدالناصر وحده، ولكن لكل من كانوا حول عبدالناصر.. وأذكر أن السيد أمين هويدى – رحمه الله – قد حكى لى أنه عندما تم تكليفه من قبل الرئيس عبدالناصر بأن يكون قائداً للجيش، وذهب إلى بعض المعسكرات، وجد صورة المشير «عامر» ما زالت معلقة، رغم إقالته، وحكى لى كيف أنه كان فى حيرة من الأمر، وكيف أن «عامر» كانت له شعبية جارفة داخل القوات المسلحة، خاصة أن «عامر» رفض المحاكمات التى أقيمت لقادة الجيش المصرى بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧، وإنه قال لناصر (إذا حاكمتهم فأنا وأنت أولهم)..
كان معروفاً عن «عامر» أنه يحمى رجاله فى القوات المسلحة، وقد تردد أن بعض القادة قد نصحوا المشير «عامر» بأن يذهب إلى معسكر أنشاص، وتجميع القوات حوله.. وأن يعود لعمله مرة أخرى بقوة السلاح.. لكن «عامر» رفض هذا الاقتراح..
ولما ذهب الرئيس عبدالناصر لمنزل عبدالحكيم عامر فى الجيزة، هناك طلب بعض قادة الجيش من «عامر» أن يقوموا باعتقال الرئيس عبدالناصر فى منزله بالجيزة، وهو ما رفضه بشدة المشير «عامر».. وفى النهاية انتهت قصة «عامر» و«ناصر» نهاية مأساوية بكل المقاييس، واتضح ذلك فى الوصية التى تركها عبدالحكيم عامر، والتى أشار فيها إلى أن «ناصر» تخلى عنه، ويشعر بأنه سوف يقتل!!
وانتهى الفصل الأخير من الرواية الدرامية عن علاقة الرئيس عبدالناصر بالمشير عامر.. باغتيال «عامر».. أما الفصل الأخير من رواية الرئيس مبارك والمشير «أبوغزالة» فكانت نهايتها دون دماء تسال أو أرواح تزهق.
لكن المشير «أبوغزالة» تعرض لخديعة كبرى.. بدأت بمكالمة تليفونية من الرئيس السابق مبارك يخبره فيها بأنه قرر تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، وجاءه استدعاء فورى ليذهب إلى القصر الجمهورى لحلف اليمين، وعندما وصل أدخلوه إلى غرفة وأغلقوا عليه الأبواب لمدة تجاوزت الساعات الثلاث.. فى تلك الفترة كان المشير «أبوغزالة» منفصلاً تماماً عن العالم الخارجى، ولا يعرف ماذا يحاك له..
فى تلك الفترة كان مبارك قد استدعى الفريق يوسف صبرى أبوطالب من خارج الخدمة، وعينه وزيراً للدفاع، وبعد أن أقسم «أبوطالب» اليمين أمام مبارك فتحوا الباب لـ«أبوغزالة»، وأبلغوه بأنه سوف يقسم اليمين كمساعد لرئيس الجمهورية، وليس كنائب رئيس كما أبلغه مبارك..
وكانت هذه خديعة أشبه بخديعة أبى موسى الأشعرى.. وتعددت الآراء لماذا أعطى مبارك «أبوغزالة» هذا (الشلوت لأعلى)، كما قيل فى ذلك الوقت..
هل يعود ذلك إلى ارتفاع شعبية المشير «أبوغزالة» فى داخل القوات المسلحة؟..
أم أن ذلك لرغبة أمريكية فى الإطاحة بالمشير «أبوغزالة» لمواقفه المتشددة فى ذلك الوقت حيال بعض قضايا التسليح وغيرها؟ وليس هنا مجالها!!
وبعد أيام قليلة من إطاحة مبارك بـ«أبوغزالة»، وتعيينه فى وظيفة شرفية، كمساعد رئيس جمهورية، دون صلاحيات، بدأت بعض الصحف الرسمية تهاجم المشير «أبوغزالة»، وتحاول توريطه فى قضية عرفت فى ذلك الوقت باسم قضية لوسى أرتين، محاولة أن تتحدث عن علاقة ربطتها بالمشير «أبوغزالة».. وبالطبع كانت هذه الحملة الصحفية هى نهاية علاقة «أبوغزالة» بـ«مبارك».. فقدم «أبوغزالة» استقالته من عمله كمساعد لرئيس الجمهورية، والغريب أنه وبعد مرور كل هذه السنوات تبين أن المشير «أبوغزالة» لم يكن متورطاً فى قضية لوسى أرتين.. وهنا جاءت نهاية العلاقة بين الرئيس والمشير، وانتهت بإقصاء «أبوغزالة»، وإبعاده عن سدة الحكم، وطلب منه أن يغلق فمه..
فظل الرجل لسنوات طويلة ممنوعاً من الكلام.. لا يتحدث لأحد ولا حتى يستقبل أحداً.. ومع ذلك كانت شعبيته فى القوات المسلحة لاتزال جارفة.. إلى أن جاء عام ٢٠٠٥، وبدأت الشائعات تقول: إن «أبوغزالة» سيكون مرشح الحزب العربى الناصرى على مقعد الرئاسة.. فى تلك اللحظات جاء للمشير طلب استدعاء ليقابل الرئيس السابق، وبالطبع مفهوم أن هذا اللقاء كان لإثناء «أبوغزالة» عن خوض انتخابات الرئاسة، وبالفعل تراجع الرجل، أو أُجبر على التراجع.. إلى أن وافته المنية، وبالطبع كعادة أى رئيس يقتل وزير دفاعه، ولو على الأقل (نفسياً).. ذهب مبارك ليسير فى جنازته.. ويبقى السؤال مطروحاً.. لماذا أطاح مبارك بـ«أبوغزالة»؟..
رغم أن الرجل كان مخلصاً له طوال خدمته.. وإذا أراد أن يأخذ السلطة، فكان أمامه موقفان الأول يوم ٦ أكتوبر١٩٨١، وبعد اغتيال السادات.. والثانى فى أحداث الأمن المركزى عام ١٩٨٦.. لكن يبدو أن الرئيس السابق تخلص من المشير.. خوفاُ من تكرار تجربة ناصر وعامر.
وللحديث بقية فى علاقة الرئيس بالمشير فى مصر.