الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
لما ولى الحجاج بن يوسف الثقفى العراق وزاد طغيانه وتجبره، وقف الحسن البصرى، وكذلك الكثير من علماء عصره فى وجهه، وتصدوا لقبيح أفعاله.. نرى ذلك عندما بنى الحجاج لنفسه بيتاً وقصراً مشيداً بين البصرة والكوفة، فلما انتهى من بنائه أراد للناس أن يخرجوا إليه ليشاهدوا بهرجته وروعته، فلما علم الحسن بذلك وجدها فرصة سانحة ليخرج إلى هذا الجمع الغفير من الناس فيعظهم ويذكرهم ويصرفهم عن تلك الزخارف المزيفة إلى روعة ما عند الله وكماله وبقائه، ويعظهم ألا يغتروا ببهجة الحياة الدنيا فلما خرج إليهم ورآهم يطوفون بذلك القصر المشيد مندهشين بروعة بنائه وقف فيهم خطيباً.
وقال: (لقد نظرنا فيما ابتنى أخبث الأخبثين، فوجدنا أن فرعون شيد أعظم مما شيد، وبنى أعلى مما بنى، ثم أهلك الله فرعون، وأتى على ما بنى وشيد.. ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه، وأن أهل الأرض قد غرّوه)، مضى على هذه الطريقة يفضح الحجاج، حتى أشفق عليه الحاضرون
فقال قائلهم: حسبك يا أبا سعيد، حسبك.. فقال له الحسن: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه.. وفى اليوم التالى أتى الحجاج مجلسه وهو يشتاط غيظاً من الحسن وقال لجلسائه: (تبا لكم وسحقاً، يقوم عبدٌ من عبيد أهل البصرة ويقول فينا ما شاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من يرده أو ينكر عليه!! والله لأسقينكم من دمه يا معشر الجبناء)، ثم أمر بالسيف والنطع فأحضرا، ودعا بالجلاد فمثل واقفا بين يديه، ثم أمر الشرط أن يأتوا به، فجاءوا بالحسن فارتجفت له القلوب خوفاً عليه، فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد تحركت شفتاه، ثم توجه إلى الحجاج فى عزة المؤمن الواثق بربه والذى يخشاه ولا يخشى أحداً إلا الله، وما إن رآه الحجاج حتى هابه ووقره وقال: ها هنا يا أبا سعيد، ها هنا، ثم مازال يوسع له ويقول: ها هنا والناس يندهشون للموقف، حتى أجلسه على فراشه وأخذ يسأله عن بعض أمور الدين، ويجيبه الحسن بعلمه الفياض ومنطقه العذب وهو ثابت صلب فقال له الحجاج: أنت سيد العلماء يا أبا سعيد، ثم طيب له لحيته بأغلى أنواع الطيب وودعه ولما خرج تبعه حاجب الحجاج وقال له: يا أبا سعيد، لقد دعاك الحجاج لغير ما فعل بك، وإنى رأيتك عندما أقبلت، ورأيت السيف والنطع، حركت شفتيك فماذا قلت؟، قال الحسن: لقد قلت يا ولى نعمتى، وملاذى عند كربتى، اجعل نقمته برداً وسلاماً علىَّ كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم. فلله درك يا أبا سعيد، ويا لثبات قلبك ورباطة جأشك وصلابة عزيمتك وصدق موقفك، وعدم هيبتك من ظلم الظالم أو طغيان الطاغية بل واجهت كل ذلك بثبات وقوة إرادة وعزيمة فكانت النجاة من موت محقق، وصدق فيك قول ربك
سبحانه وتعالى «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا».