الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
عمر بن عبدالعزيز اعتبره كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين لتميز فترة خلافته- التى استمرت سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام- بالعدل والمساواة ورد المظالم التى كان أسلافه من بنى أمية قد ارتكبوها فاتجه إلى أبناء البيت الأموى، فجمعهم وطلب إليهم أن يُخرجوا ما بأيديهم من أموال وإقطاعات أخذوها بغير حق ولم تمضِ سوى أيام معدودات حتى وجد بنو أمية أنفسهم مجردين إلا من حقهم الطبيعى المشروع وعزل جميع الولاة الظالمين ومعاقبتهم، وقد رأى عمر رجلاً كثير الصلاة، فأراد أن يمتحنه ليوليه، فأرسل إليه رجلاً من خاصته فقال: «يا فلان، إنك تعلم مقامى عند أمير المؤمنين، فما لى لو جعلته يوليك على أحد البلدان؟»، فقال الرجل: «لك عطاء سنة»، فرجع الرجل إلى عمر وأخبره بما كان من هذا الرجل، فتركه لأنه سقط فى الاختبار..
كما أعاد العمل بالشورى وظهر ذلك جلياً منذ أول لحظة له وهو يشاور الناس إذا ما كانوا يرغبون فيه كخليفة لهم أم لا، فقد جاءته الخلافة دون أن يسعى لها وكان كارها لها، ففى خطبته الأولى بعد استخلافه صعد إلى المنبر وقال «أيها الناس، إنى قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأى كان منى فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإنى قد خلعت ما فى أعناقكم من بيعتى، فاختاروا لأنفسكم» فصاح الناس باختيارهم له خليفة عليهم.
وقد اتخذ من سيرة جده عمر بن الخطاب مثلاً يحتذى به ويسير على هديه، فاعتمد على الفقهاء وقربهم، وجعل للقاضى منزلة ممتازة ومستقلة، وكانت الدولة فى رأيه لا تصلح إلا بأركانها الأربعة: الوالى، والقاضى، وصاحب بيت المال، والخليفة..
وقد كان شديد الخوف من الله سبحانه وتعالى؛ فلقد دخلت زوجته عليه يوماً وهو جالس فى مصلاه واضعاً يده على خده ودموعه تسيل على خديه فقالت له: ما لك؟ فقال لها: ويحك يا فاطمة قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت فتفكرت فى الفقير الجائع والمريض الضائع، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة والمظلوم والمقهور والغريب والأسير والشيخ الكبير وذى العيال الكثير وأشباههم فى أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربى عز وجل سيسألنى عنهم يوم القيامة وإن خصمى دونهم محمد، صلى الله عليه وسلم، فخشيت ألا تثبت لى حجة عند خصومته فرحمت نفسى وبكيت..
ويروى أن أحد عمال عمر بن عبدالعزيز على أحد الأقاليم كتب إليه يشكو خراب مدينته ويسأله مالاً يحصنها به فكتب إليه عمر: (قد فهمت كتابك، فإذا قرأت كتابى فحصن مدينتك بالعدل ووثق طرقها من الظلم فإنه حرمتها.. والسلام) بهذه الكلمات الموجزة يقدم الخليفة الزاهد النصح للولاة ويدعوهم إلى العدل ونبذ الظلم، وقد قيل: لا ملك إلا بالجند ولا جند إلا بالمال ولا مال إلا بالبلاد ولا بلاد إلا بالرعايا ولا رعايا إلا بالعدل.