الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
كلما كنت أتذكر كيف كنا وكيف أصبحنا يمر علي خاطري شريط من الذكريات.. أتذكر كيف كنا نعيش في قهر وفقر ومرض وجهل.. كيف كان الأبرياء يعذبون في السجون والمعتقلات وكان الشريف يضرب علي قفاه (وميقدرش يتكلم).. كيف كنا نعيش في وهم اسمه الديمقراطية قل ما شئت والرئيس والحكومة سيفعلان مايشاءان.. واذا لم تكن معهم فانت عدوهم.. ثم قامت ثورة 25 يناير العظيمة.. شعرت بأسرتي وابنائي وهم يقولون كلنا سننزل التحرير حتي ابني الصغير الذي لم يتجاوز التاسعة قال لي خدوني معاكم.. كان عندنا أمل كبير في ان تستطيع تلك الثورة ان تقضي علي معاناة عاشها الشعب المصري في ظل النظام القديم.. ونجحت الثورة وحققت كل ما لم نتوقعه أو حتي نتخيله وسقط النظام وانتهي كابوس التوريث الي الابد وكسرنا حاجز الخوف والرهبة واصبح من حق كل مواطن ان يعلن رأيه دون خوف وان يعترض علي الملأ بعد ان كان لا يجرؤ ان يبوح بذلك خارج الغرف المغلقة.. وعادت مصر لنا وعدنا لمصر.. لكن وبعد مرور فترة ليست بالطويلة وجدت ان الانقسام بدأ يدب بيننا ولأول مرة اسمع مقولة هذا مسلم وهذا سلفي معتدل وهذا سلفي متشدد وهذا صوفي وهذا مسيحي متشدد وهذا مسيحي معتدل وهذا بهائي وهذا سني وهذا شيعي وهذا شيوعي.. فكيف أصبحنا بكل هذه الطوائف؟ إن الحرية يجب ان تجمعنا لا ان تفرقنا.. وفي نفس الوقت انقسمنا علي المستوي السياسي فهذا تيار شباب الثورة باسماء مختلفة وهناك فلول النظام السابق.. وهؤلاء الكتلة الصامتة وهؤلاء أعداء الثورة وهؤلاء المنتفعين من الثورة.. وهؤلاء خونة.. وهؤلاء بلطجية.. لقد قامت الثورة بطهارتها وطهارة من قاموا بها ثم امتدت أيادي تتعمد ان تقتلها وحيكت المؤامرات من الداخل والخارج تريد ان تحصد ثمارها.. وتحول الصراع علي مصر كما لو أنه علي قطعة كيك يحاول البعض ان يحصل علي اكبر قطعة فيها.. متناسين بذلكاننا ندمر اعظم انجاز قمنا به في حياتنا.. واخشي ما اخشاه ان يتحول اسقاطنا للنظام السابق الي اسقاط للدولة بأكملها.. لان القانون هو الركيزة الوحيدة التي تمكننا من الشعور بالامان والاستقرار ويالا العجب غاب القانون وأصبحت سياسة الصوت العالي والقوة العددية هي الحاكمة واصبح القرار والحكم القضائي تحدده الكثافة والاعداد التي تستطيع ان تخيف الحكومة والمجلس العسكري وايضا القضاء.. كل منا أصبح سياسياً وقائداً وزعيماً وأصبح كل منا يفعل ما يريد وقتما يشاء واصبحنا لا نستطيع ان نجلس لنتفق او حتي يسمع بعضنا البعض.. كل منا يريد ان يتكلم ولا يستمع للآخر والويل كل الويل لمن يقول رأياً مغايرا للآخر فإما ان يخون او يتحول الي فئة مندسة.. وانعكس هذا الخلاف بوضوح في ترتيب الاولويات السياسية فمنا من يري اجراء انتخابات برلمانية اولاً ومنا من يري الدستور اولاً ومنا من يطالب بمجلس رئاسيومنا من يريد استمرار الحكم العسكري ومنا من ينادي بدولة مدنية ومنا من يطالب بدولة اسلامية.. لقد حلمت وحلم معي الكثيرين بمصر الجميلة الجديدة الحديثة بعد الثورة.. حلمت وحلم معي الكثيرين بالقضاء علي الفقر والبطالة.. حلمت بالقضاء علي العشوائيات وتوفير الحياة الكريمة لأهالي القري والنجوع حلمت بمصر قوية عزيزة شامخة وكما استطاع شعبها ان يصنع ثورته المجيدة فإنه سيجني لها الثروة سواء علي المستوي الاقتصادي أو علي المستوي العلمي بعقول أبنائها المبدعين.. تمنيت ان أري مصر القائدة في العالم والتي تترك مكانها في دول العالم الثالث لتنتقل لاقرانها من دول العالم الثاني والأول.. إن مصر تنادينا جميعاً ان تعود مره اخري صفا واحدا لا يفرقنا دين او تيار سياسي.. يجمعنا حبها وامنيتنا الوحيدة ألا تفرقنا التحزبات والا يسود جو الفرقة وألا يخون بعضنا البعض وان نمد ايدينا لنتصافح ونتعانق ونمحو ونتجاوز الخلافات ولنترك الصراعات وان نعود كما كنا في الميدان صفا واحدا وأيد واحدة بجد.