الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
رحل عن دنيانا منذ أيام قليلة، وتحديداً يوم 10 رمضان، الطفل إبراهيم عطية سالم، الذى أعتبره نموذجاً رائعاً للصبر والإيمان والتحدى، إبراهيم من مواليد المنصورة، نشأ يتيماً دون أب أو أم، ودخل إحدى دور الأيتام فى المنصورة، وعندما بلغ السادسة من عمره خرج من الدار إلى دار أخرى، فى تلك اللحظات أصيب بالهزال والضعف واكتشفوا أنه مريض بالسرطان، جاء إلى القاهرة ليسكن فى دار أيتام أخرى باحثاً عن الرعاية والعناية، كان طفلاً جميلاً وكان قوياً، عندما تتحدث إليه تشعر وكأنك تخاطب شيخاً له خبرة السنين وحكمة الأيام.
بدأ إبراهيم رحلة علاج السرطان فى تلك الفترة، وأثناء نقل دم له أصيب بفيروس سى. كان إبراهيم محباً للحياة واقتربت منه عائلة كريمة واحتضنته، وكانت هذه العائلة تزوره يومياً فى دار الأيتام، ومع مرور الوقت أصبحت العائلة مسؤولة عنه مسؤولية كاملة، وأصبح إبراهيم واحدا من تلك الأسرة بل إن أطفال هذه الأسرة اعتبروه أخا لهم. تفاقم المرض فى جسد إبراهيم وكان يتحدث دائماً قائلاً إن الموت هو الراحة بالنسبة له، وإن نعيم الآخرة أحب وأقرب إليه من ألم الدنيا.. إبراهيم كان فيلسوفاً، مدركاً لطبيعة مرضه، كان ودوداً وفى غاية الأدب، ورغم كثرة وتكالب الأمراض على جسده بل وأيضاً تكالب الأطباء على وضع الحقن فى جسده إلا أنه أبداً لم يتأفف أو يغضب، كان راضياً مرضياً، وفى إحدى المرات عندما كانت الممرضة تعطيه جرعة الكيماوى تجده مبتسماً متسائلة عن سر ابتسامته، فيجيب عليها ببساطة الحمد لله. طفل ذو تسع سنوات تحمّل من المرض ما لم يتحمله الكبار، لكنه وقبل أن يدخل إلى غرفة العناية المركزة كانت لديه رغبة ملحة فى أن يسافر، وعندما سُئل عايز تسافر فين يا إبراهيم؟ أجاب عايز أروح للحنين الكبير للرحمن الرحيم. تساقطت الدموع من الجميع إلا إبراهيم، وبعدها بلحظات أصيب بإغماءة ودخل إلى غرفة العناية المركزة، وبعد أذان المغرب يوم 10 رمضان صعدت روح إبراهيم إلى بارئها محاطة بدعاء ودموع تلك الأسرة التى أحبته وارتبطت به وأصبح واحداً منها، وفى الصباح الباكر كانت تلك الأسرة تفتح قبرها، الذى دفنت فيه من فترة قريبة والدها، لتدفن إبراهيم داخلها بعد أن أصبح واحداً منها. إن إبراهيم رسالة وعبرة يجب أن نتعلم منها جميعاً لعلها توقظنا من غفوتنا وتعيدنا إلى رشدنا.. رحم الله إبراهيم وألهم أسرته الجديدة الصبر والسلوان على فراقه.