الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
ذات يوم كنت أصور حلقة من برنامجى «واحد من الناس» فى قرية كفر منصور بمحافظة المنوفية فقد اعتدت على تصوير مشاكل أهل بلدى فى الريف والعشوائيات وأطرحها من خلال برنامجى، وبعد ما قمت بتصوير الحلقة عن مشاكل يلاقيها أهالى قرية كفر منصور من عدم توافر المياه النقية والصرف الصحى والمستشفيات.. وكنت أستعد لأترك المكان جاءنى شاب من أهالى القرية وقال لى: (هو انت مش هتقابل الست أم إبراهيم؟)،.. قلت له: (مين أم إبراهيم؟)، قال: (ست غلبانة وعيانة وبتاعة ربنا..)، قلت لفريق التصوير ياللا بينا نروح نشوف الست أم إبراهيم.. وبالفعل وصلت لغرفة أم إبراهيم.. وجدتها غرفة تحت الأرض والنزول لها فى منتهى الصعوبة، أما الغرفة فهى لا تتجاوز 2 متر فى 2 متر، وليس بها مصدر إنارة، ومع ذلك فالغرفة كانت (منورة).. وجدت سيدة عجوزاً ينبعث من وجهها الضياء والأنوار الربانية تجلس على أريكة خشبية وتنام عليها ولا يكاد يوجد فى الغرفة سوى تلك الأريكة وقُلة صغيرة بجانبها.. المهم بدأت وقولت أسجل معاها قولتلها إزيك يا أمى وإزى أخبارك عاملة إيه؟ قالتلى تعبانة شوية عينيه بتوجعنى، خدت بالى اكتشفت إنها مبتشوفش، قعدت أقول يا رب الست دى عايشة إزاى بتاكل إزاى بتنام إزاى، قولتلها قوليلى يا أمى بتصرفى منين؟ قالتلى أنا باخد 50 جنيه، قولتلها 50 جنيه بس، وبيكفوكى، قالتلى الحمد لله الحمد لله هو الواحد هينهب، الحمد لله، سألت نفسى 50 جنيه بيكفوها إزاى بتاكل وبتشرب وبتتعالج إزاى؟ سألتها فيه حد بيسأل عليكى؟ قالتلى بناتى، عندى بنات فى مصر غلابة واجوازهم ماتوا وعندى ابن واحد مبيجيش، قولتلها طيب مش عايزة حاجة اعملهالك؟ قالتلى لا الحمد لله الإنسان لازم يكون قنوع، قولت قنوع إحنا فين من القناعة، المهم بعد لحظة بدأت أنسى إنى بسجل برنامج وحاسس إنى مع ست ليها مكانة خاصة مش عارف ليه، قولتلها ادعيلى، قعدت تقولى ربنا يوفقك، ربنا يحميك، انت وكل الجدعان اللى زيك، ولقتها قعدت تدعى للنبى عليه أفضل الصلاة والسلام ربنا ينصرك يا رسول الله، ربنا ينصرك على الأعداء يا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.. أنا الحقيقة لقتها بتدعى للنبى عليه أفضل الصلاة والسلام جسمى كله حصلت فيه قشعريرة غريبة جدا لدرجة أنه بعد ما خلصت دعاها وقفت أنا والمصور صامتين أمامها عندنا شعور بالرهبة فظيع ورغم أننا طفينا النور إلا أن الحجرة كانت منورة جدا كان الموقف كله غريب بصراحة مقدرش أنكر إن دموعى انسابت أنا وزميلى المصور، كانت حالتنا صعبة جدا المهم خرجت من عندها وأنا عمال أفكر الإنسان لازم يكون قنوع إزاى، ممكن تكون قنوع إزاى، نقدر نقضى على الجشع والاستحواذ والتحويش والتكويش فى حياتنا، لكن قررت إنى أعمل حاجة للست أم إبراهيم.. حكاية أم إبراهيم فى حياتى هى حكاية حياة أو موت بعد ما سبتها طول ما أنا راجع من المنوفية للقاهرة عمال أفكر فيها، عمال أفكر فى إنها بتاخد 50 جنيه وبتقول الإنسان لازم يكون قنوع، قولت لازم أعمل لها حاجة هى عايشة فى أوضة تحت الأرض، قولت لازم أجبلها شقة، كلمت حد فى القرية اللى عايشة فيها فى كفر منصور قولتله أنا عايز أجيب شقة لأم إبراهيم أجيبلها فين؟ قالى هاتهلها هنا لأنها عايشة هنا فى كفر منصور ومش هتسيبه، قاللى فيه شقة هنا بتتباع أوضتين وصالة وكويسة تعالى خودها.. قررت فعلا إنى أروح أشوف الشقه واخودها روحت فعلا وشوفت الشقة واشترتها وقولت أروح أفرح الست أم إبراهيم وأقولها أنا جبتلك شقة بدل الجحر اللى عايشة فيه اللى انتى صحيح شيفاه فيللا بس أنا عايز أعملك أى حاجة أخدت مفتاح الشقة وروحت لبيت أم إبراهيم أخبط فتحت لى ست قالت لى أنا جارتها قولتلها فين أم إبراهيم؟ قالتلى أم إبراهيم تعيش انت، قولتلها إيه! إمتى الكلام ده حصل؟ قالتلى وهى بتصلى العصر، وقالتلى إحنا هنغسلها.. أنا مش عايز أقول لكم أنا حسيت بإيه لكن تقدروا تشعروا بالمشاعر اللى أنا حسيتها كان فى إيدى مفتاح الشقة والعقد حسيت إن ملهمش أى قيمة لكن حسيت إن القيمة فى حياتنا هى الإيمان والصبر والقناعة، صلينا العصر وصلينا صلاة الجنازة على أم إبراهيم، وكلنا كنا بنبكى على أم إبراهيم بنبكى على رمز القناعة على رمز الرضا اللى مبقاش موجود دلوقتى فى حياتنا.. صدقونى كأن ماتلى عزيز عليا كأنى أعرفها من سنين طويلة حسيت بفراقها.. لما ذعت الفقرة بتاعتها فى «واحد من الناس» سبحان الله الفقرة عجبت ناس كتير جدا وكتبوا على الفيس بوك وعلى تويتر إن أم إبراهيم رمز الرضا والقناعة.. قولت الحمد لله إنى على الأقل وصلت الرسالة رسالة أم إبراهيم اللى عايزة تقولها لكل الناس إن خليكم قنوعين فعلا القناعة كنز لا يفنى.. قعدت أفكر نعمل إيه لأم إبراهيم وربنا وفقنا قدرنا نعمل هناك مستشفى أم إبراهيم اللى موجودة دلوقتى فى كفر منصور.. إحنا محتاجين فى حياتنا لشخصيات زى أم إبراهيم نتعلم منها كتير نتعلم منها القناعة نتعلم منها الحب نتعلم منها الرضا.. المهم إننا نسمع ونتعلم.. إنا شخصيا اتعلمت وصدقونى أم إبراهيم غيرت فى حياتى كتير بقا عندى قناعة داخلية جوايا أن لا يبقى غير الخير اللى انت بتعمله.. يار يت نقدر نتعلم كلنا من حكاية أم إبراهيم.