الموقع الرسمي لدكتور عمرو الليثي
جمع فيلم «ناصر 56» ثلاثة من أحب وأعز الناس إلى قلبى، فقد جمع هذا الفيلم بين والدى، رحمه الله، المنتج والسيناريست الكبير ممدوح الليثى، والكاتب والسيناريست الكبير محفوظ عبدالرحمن، رحمه الله، والذى أعتبره فى منزلة العم لى، والأخ والصديق العزيز والفنان الكبير أحمد زكى، رحمه الله..
اجتمع هؤلاء العمالقة معاً لإخراج هذا العمل الفنى العظيم إلى النور، وكان قربى الشديد من الأطراف الثلاثة هو ما جعلنى ملماً بتفاصيل وكواليس هذا العمل الفنى، بداية من تجهيز الفكرة حتى خروجه إلى النور، وكانت البداية لهذا العمل عندما طرح قطاع الإنتاج فى التليفزيون، برئاسة والدى، رحمه الله، مشروعا لعمل مجموعة من السهرات التليفزيونية عن رموز العمل الوطنى المصرى التى أثرت الحركة السياسية والثقافية فى مصر، وعقد عدة اجتماعات بحضور مجموعة من الكتاب والفنانين، وتحمس الكاتب والسيناريست الكبير محفوظ عبدالرحمن للفكرة هو والفنان الكبير أحمد زكى، الذى أعلن أنه مستعد لتجسيد كل الشخصيات المطروحة، وذهبوا لوالدى ممدوح الليثى بمكتبه وقدموا له ورقة مكتوبة فيها الشخصيات التى سوف يكتبها الأستاذ محفوظ عبدالرحمن، وكانوا 7 شخصيات، أولهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر..
واعتقد الأستاذ محفوظ عبدالرحمن أنه لن تتم الموافقة على عمل يجسد جمال عبدالناصر، لكن والدى تحمس جداً للفكرة ووافق فى وقت كان ممنوعا فيه ذكر اسم جمال عبدالناصر، واقترح الفنان الكبير أحمد زكى تحويل العمل إلى فيلم تليفزيونى بدلا من سهرة، وكان المطروح للإخراج المخرج الكبير الراحل عاطف الطيب، لكن ظروفه لم تسمح، فاقترح الأستاذ أحمد زكى المخرج الكبير محمد فاضل، ووافق والدى والأستاذ محفوظ عبدالرحمن، وتردد والدى قليلاً وقتها عندما ظهرت فكرة أن يكون الفيلم بالأبيض والأسود، فهو كان يريد إنتاج فيلم مبهر بالألوان، ويسخّر له أحدث الإمكانيات، ولكن فى النهاية اقتنعوا جميعاً بفكرة الأبيض والأسود، ولم يكن من السهل العثور على أفلام أبيض وأسود، وبذل قطاع الإنتاج مجهودا كبيرا لتوفير تلك الأفلام.
كما قدم قطاع الإنتاج كل التسهيلات اللازمة ليخرج الفيلم بهذه الصورة، وتدخّل والدى لإزالة كل المعوقات التى كانت تواجه الفيلم، حتى إن المونتاج وطباعة الفيلم تم عملهما فى لندن، وجاء الفيلم من لندن إلى مهرجان التليفزيون مباشرة ليعرض فى الافتتاح، واتصل مسؤول كبير بالدولة قبل العرض بالأستاذ محفوظ عبدالرحمن وسأله عن تفاصيل الفيلم ليطمئن: (أستاذ محفوظ هو الفيلم بيحكى عن إيه؟.. يا فندم ده فيلم تسجيلى عن عبدالناصر.. آه آه طيب شكرا).. وعندما عُرض الفيلم وسط حماس كبير وترحيب ضخم من الحضور وكانوا بأعداد كبيرة، لدرجة أن أحمد زكى جلس على الأرض لعدم وجود أماكن، اتصل هذا المسؤول بالأستاذ محفوظ عبدالرحمن فى السابعة صباحاً وهو يصيح: (ده تسجيلى يا محفوظ.. ده تسجيلى)، وبدأ كبار المسؤولين فى التنبه إلى خطورة الفيلم. وحصلت القيادة السياسية على النسخة الوحيدة من الفيلم، وتمت مشاهدتها فى عرض خاص، وجاء عتاب شديد اللهجة لوالدى على إنتاج فيلم «ناصر 56»، فاتصل به نفس المسؤول الكبير الذى اتصل بالأستاذ محفوظ عبدالرحمن: (صباح الخير يا ممدوح.. أهلا يا دكتور.. جرى إيه يا أستاذ ممدوح إنت طلعلتلنا عبدالناصر من التربة ليه.. الفيلم اللى إنت عامله ده. هو ده وقته؟.. الفيلم مفهوش أى حاجه تسىء لأى عهد.. لكن مكانش وقته.. عموما إحنا خدنا قرار بتأجيل عرض الفيلم).. لم يرد والدى لكنه أدرك أن هناك أزمة بسبب الفيلم.. وعلى الرغم من أن الفيلم عُرض تجارياً وحقق إيرادات كبيرة، وكانت أمام دور العرض يومياً تظاهرات كبيرة لنفاد التذاكر إلا أنه جاءت تعليمات عليا برفع الفيلم من السينما ووضعه فى خزانة خاصة بمبنى التليفزيون، وتعرض والدى ممدوح الليثى وقتها لمتاعب كثيرة لإقدامه على إنتاج هذا الفيلم.
وظل الفيلم ممنوعا من العرض لمدة عام كامل مما أثار تساؤلات كثيرة، خاصة من جانب بعض المسؤولين العرب الذين تدخلوا لدى الرئاسة للسؤال عن سبب ذلك، ومنهم الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، ووزيرة الإعلام الليبية التى عرضت شراء الفيلم، وتحت هذه الضغوط تم عرض الفيلم وحقق إيرادات ضخمة، وأقيمت حفلات تكريم كثيرة لأسرة الفيلم بعد عرضه، منها حفل أقامه الحزب الناصرى ولم تسمح ظروف والدى بحضوره، فتسلم الأستاذ محفوظ عبدالرحمن درع التكريم بدلا منه، وكان والدى حريصا على سرعة الحصول على الدرع من الأستاذ محفوظ اعتزازا به، فقد كانوا جميعاً يعتزون وفخورين بخروج هذا العمل الفنى الكبير إلى النور، رغم ما واجهوه جميعا من صعوبات، رحمهم الله جميعاً.