العودة   الموقع الرسمي للاعلامي الدكتور عمرو الليثي > الأقسام العامة > القسم الاخباري
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-29-2010, 07:32 PM
الصورة الرمزية reham
reham reham غير متواجد حالياً
عضو
 


إرسال رسالة عبر Skype إلى reham
افتراضي عشر برديات مصرية .. تأملات قصصية من وحى التاريخ والأدب والخيال (البردية التاسعة)التاب

عشر برديات مصرية .. تأملات قصصية من وحى التاريخ والأدب والخيال (البردية التاسعة)التابوت الذى ابتلعه البحر

٢٩/ ٣/ ٢٠١٠كانت «نفرت» فتاة جميلة من أبناء الشعب، وفى صباح مشرق خرجت كعادتها إلى النهر فخلعت ملابسها على الشاطئ ونزلت إلى الماء لتستحم. وبينما هى فى الماء مر أحد الصقور الطائرة فى السماء فجذبه بريق الحجارة الملونة التى تزين نعليها الصغيرين الموضوعين إلى جوار ملابسها فانقض بسرعة وخطف أحدهما وطار به عابرا النهر إلى الوادى.
وما هى إلا لحظات حتى أيقن الصقر أن ما خطفه لا جدوى منه، فلا هو يسمن ولا يُغنى من جوع ولا يروى من ظمأ، فأسقطه على الفور ليستقر فجأة فى حِجْر فرعون البلاد الجالس مع أعوانه فى حديقة قصره يتدبر أمور البلاد.
كان فرعون هو الشاب المحبوب منقرع ابن خفرع وحفيد خوفو الذى ما إن رأى روعة وجمال النعل حتى خفق قلبه فأخذه بين يديه يتأمله ثم قال: «إذا كان النعل بهذا الجمال فما عسى يكون جمال صاحبته؟».
فقال له موناصير العجوز، وهو رئيس الديوان منذ عهد والده خفرع: «أيا ما كان جمال صاحبة هذا النعل فهى يا مولاى من أبناء الشعب والدماء الملكية لا تجرى فى عروقها، لذا فهى لا تصلح أن تكون موضع اهتمام فرعون البلاد العظيم». لكن فرعون ظل يقلب النعل بين يديه وهو يقول لرئيس الديوان: «إن أبناء هذا الشعب هم جند المملكة، وهم بناة الأهرام ومعابد الآلهة، وهم الذين شيدوا بسواعدهم المخلصة أعظم حضارة عرفها الإنسان.
إن الانتساب إلى الشعب يا رئيس الديوان شرف وجاه». ثم سأل فرعون دون أن يرفع نظره عن النعل الذى بين يديه: «ألم يلحظ أحد من أين سقط هذا النعل الجميل؟»، فرد عليه أحد أعوانه المحيطين به: «لقد قذف به صقر كبير من السماء».
فقال منقرع: «إذن ذكّروا رئيس الديوان أن إله السماء حورس لا يتجلى إلا فى هيئة صقر». فلحق كبير الكهنة فرعون على الفور قائلا: «نعم يا مولاى إن ما قام به الصقر الآن لا يمكن أن يكون بلا مغزى. إنها رسالة يا مولاى علينا فك رموزها».
فقال فرعون وقد علت وجهه ابتسامة رضا: «إن رموزها واضحة. لقد استجاب حورس لدعواتى فاختار لى عروسا جميلة من أبناء الشعب تشاركنى حياتى. إن ما علينا أن نفعله ليس فك رموز الرسالة وإنما البحث عمن وقع عليها الاختيار».
وما إن انفض الاجتماع حتى خرج حرس القصر يجوبون جميع أرجاء البلاد بحثا عن صاحبة النعل الجميل الذى سقط فى حِجْر فرعون. لكن الأيام مرت وتلتها الأسابيع دون أن يصلوا إلى شىء.
حين علم فرعون بذلك حزن حزنا شديدا وعاتب أفراد الحرس قائلا إنهم لم يؤدوا واجبهم كما يجب، فأكدوا له أنهم وصلوا حتى أقاصى سيناء فى الشرق وإلى واحة سيوة فى الغرب وحتى الجندل الثانى لنهر النيل فى الجنوب. قال فرعون: «إذن عليكم أن تبحثوا بالقرب من القصر، فالصقر لا يمكن أن يكون قد طار كل هذه المسافات.
إن تلك إشارة إلهية من حورس فى علاه إن لم تلبوها فقد تصيبكم لعنة من الآلهة»، فأضاف كبير الكهنة: «إن حورس العظيم هو حامى فراعين مصر وقاهر الأعداء وهو الذى نصر مينا العظيم موحد الوجهين، لذا وجب طاعته».
كان منقرع محقا فيما قاله عن أن الصقر هو التجسيد الحى للإله حورس إبن إيزيس وأوزيريس فى الثالوث المقدس الذى عرفه المصريون منذ مرحلة ما قبل الأسر وحتى نهاية العصر الرومانى، فقد كان تقديس المصريين القدماء للحيوانات لا يعود إلى عبادتهم لها إذ لم يؤمنوا إلا بإله واحد هو آتوم خالق هذا الكون ومسير أحواله، وهو خالق الآلهة الأخرى التى كان لكل منها مجال واحد لا يتعداه فكان هناك إله للأرض وآخر للسماء وثالث للأنهار، كما كان هناك إله للحكمة وآخر للحرب، وثالث للإخصاب.
هذه الآلهة لم تكن تمضى وقتها كله فى السماء غير عابئة بما يحدث للناس فى الأرض، بل كانت كثيرا ما تنزل إلى الأرض بأمر من آتوم الإله الأكبر لتتفقد أحوال الناس، وعندئذ كان كل منها يتخذ شكل أحد المخلوقات كالبقرة أو التمساح أو الصقر. لذلك كان المصريون يقدسون المخلوقات جميعا ويحرصون على تحنيطها مثل كبار موتاهم باعتبار كل منها تجسيدا لإله من آلهة السماء، فكان قتل الحيوانات عند المصريين يعرض صاحبه لأشد العقاب.
خرج أفراد الحرس مرة أخرى يواصلون بحثهم عن عروس فرعون التى اختارها له الإله حورس، واتجهوا هذه المرة إلى المناطق القريبة من القصر بينما ظل فرعون ينتظر شاردا وصول العروس التى كان يحلم بها ففقد شهيته للطعام وبدت عليه علامات الوهن.
وفى بردية قديمة يقول الشاعر على لسان العاشق:
سوف أرقد فى دارى مريضا
وليس من سبب للمرض
الأطباء والأصدقاء والناس
يدخلون لرؤيتى
لكن ما لم تأت إلىّ الجميلة
فلا حاجة بى لأحد
هى التى تعرف دائى
ووحدها تملك دوائى
أما بقية القصة فهى معروفة للإنسانية فى كل زمان ومكان، فقد أصبحت على مر السنين من القصص الشعبى الدارج فى جميع ثقافات العالم بتنويعات مختلفة ما بين الآداب الشرقية والغربية. فقد وردت فى اليابان وفى قصص ألف ليلة وليلة، كما وردت فى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وأسكتلندا. وقد ذكر المؤرخ اليونانى سترابو فى القرن الأول قبل الميلاد أى بعد عهد منقرع بما يقرب من ٢٥٠٠ سنة قصة الفتاة المصرية اليونانية رادوبيس ذات الوجنات الوردية التى استدل الملك عليها من خلال فردة حذائها، كما ذكرها الفرنسى شارل بيرو فى القرن السابع عشر بعد الميلاد فأسماها سندريون ومرادفها الإنجليزى سندريللا، وكتب قصتها الأخوان جريم فى ألمانيا فى القرن التاسع عشر. لكن أحدا لم يعد يتذكر أن أول ذكر للقصة اقترن باسم منقرع قبل الأخوين جريم بـ٤٤ قرنا وقبل بيرو بـ٤٢ قرنا وقبل سترابو بـ٢٢ قرنا.
فقد عثر الملك أخيرا على صاحبة الحذاء فتزوجها وصارت ملكته. فهل يا ترى حدثت هذه القصة بالفعل أم أنها أسطورة من الخيال؟ إذا كانت قد حدثت فهى البرهان الحى على التواصل الذى كان بين منقرع وأبناء شعبه. وإذا كان الحس الشعبى المصرى هو الذى نسجها من خياله الجمعى فقد دفعه إلى ذلك حبه لمليكه العظيم منقرع الذى لابد أن شعبه كان يشعر أنه قريب منه لا ينفصل عنه. وربما كانت الفتاة الجميلة بطلة القصة هى بالفعل خميريربنتى زوجة منقرع وملكته التى يقول لنا التاريخ إنه أحبها حبا جما، فقد كانت أول ملكة فى التاريخ المصرى يتم بناء هرم لها إلى جوار هرم زوجها الفرعون منقرع.
وتصف قصة حب منقرع لملكته كيف كانا يتناجيان بالشعر. ومازالت إحدى البرديات تحمل كلمات الملكة إلى زوجها الفرعون:
أنا حبيبتك
ذات العود النحيل
والعطر الرقيق.
أنا البستان
الذى زرعته بيدك
زهراً وريحاناً.
إذا رنوت إليك
رأيت جمال السماء
وسحر السحاب
وبريق القمر.
جميل شاطئ النهر
حين نلتقى فيه.
وحين تنام يدى فى حضن يدك
جسدى يرتاح وقلبى يضطرب.
كلما مشينا سويا
أسمع فى صوتك أوتار القيثارة
فأرد عليك بأنغام الناى المبتهج.
ورغم أن ما وصلنا من التاريخ حول منقرع قليل ومتفرق، ومنه ما قاله هيرودوت من أنه كان ملكا محبوبا من شعبه، إلا أن هناك بردية قديمة تحكى واقعة ارتبطت بمنقرع تقول إنه فى أواخر سنوات حكمه، وبعد مضى وقت طويل على الأحداث السالفة، نقل إليه كبير الكهنة نبوءة قادمة من معبد بوتو الواقع فى تل الفراعين شمال غرب الدلتا والذى يعود تاريخه إلى فترة ما قبل الأسر تقول إنه لم يعد أمامه فى هذه الدنيا إلا ست سنوات فقط لا سابعة لها، وأنه بعد أن يموت فإن تابوته سيبتلعه البحر. وانتشر أمر النبوءة بين الناس فحزن الشعب على مليكه حزنا كبيرا وساءه أن ينتهى عصر منقرع المحبوب بعد سنوات قليلة، فشكلوا وفدا كبيرا توجه إلى قصر منقرع ليعلنوا احتجاجهم على تلك النبوءة الجائرة.
استقبل منقرع وملكته وفود الشعب التى تدافعت إلى القصر، واستمعا إلى كلمات ممثليهم الذين قال أحدهم: «ما للأقدار تناصبنا العداء دائما، فالحكام الذين يحبون شعوبهم ويعملون لرفعتها يؤخذون منا بعد سنوات قليلة بينما المستبدون الذين يظلمون شعوبهم يبقون معنا عشرات السنين!» وقال آخر: «إننا نعلن جميعا تمسكنا بمليكنا لسنوات طويلة قادمة»، ثم قام متحدث آخر فشكك فى تلك النبوءة قائلا: «كيف يغرق تابوت فرعون فى البحر وهو لن يستقر إلا فى هرمه العظيم الذى بنيناه بسواعدنا حبا وإخلاصا له»
والحقيقة أن أحدا لم يفهم كيف يبتلع البحر تابوت فرعون، فالمصريون لم يكونوا يحبون البحار ونادرا ما كانوا يجوبونها، فلم يكن لديهم أسطول مهيب يليق بحضارتهم المجيدة، بل كانت مراكبهم فى معظمها نهرية تربط بين وجهى مصر القبلى والبحرى عبر شريان الحياة الذى هو النيل العظيم، أما مراكب الشمس الرائعة التى مازالت تبهر ناظريها حتى الآن فكانت رغم ضخامتها مراكب رمزية مهمتها نقل فرعون إلى العالم الآخر.
«لا، لن نترك تلك النبوءة الكاذبة تتحقق!» قال أحد الحضور، ومضى اليوم بأكمله والجموع تحيط بمنقرع فى قصره لا تريد أن تتركه، بينما لم ينبت فرعون بكلمة من فرط تأثره بمشاعر شعبه الفياضة. وعندما حل المساء وهمّ الناس بالانصراف قالت لهم الملكة: «لا تنصرفوا. إنكم باقون معنا. فقد أعددنا لكم مأدبة قائمة حتى الصباح».
ومنذ ذلك اليوم ظل فرعون وملكته يقيمان كل ليلة مأدبة عظيمة للناس توصل الليل بالنهار فضاعفوا بذلك مع الناس عدد الأيام التى عاشها منقرع وخدعوا نبوءة بوتو فعاش منقرع سنواته الباقية مضاعفة، وحين توفى منقرع دفن جثمانه فى هرمه الذى بناه له شعبه بالحب والتفانى وظل تابوته الرائع قابعا فيه قرونا طويلة وقد نقشت عليه كلمات التقدير الواجبة للفرعون الراحل، التى تقول فى أحد مواضعها:
مثل الصقور
هو يصعد الآن إلى السماء
ريشه مثل ريش الإوز.
كانطلاقة البلا شون
ينطلق صوب الأعالى
يعانق السماء كالطيور المحلقة
مثل الريح.
يعلو ويعلو ليحلق هناك
بعيدا عنكم أيها البشر.
على أن منقرع لم يحلق بعيدا عن أقرانه من البشر الذين أحبهم فأحبوه، فقد ظل قريبا من قلوب المصريين الذين ظلوا بدورهم يبكون على فراقه هو وملكته خميريربنتى لسنوات، ويروون عنهما القصص والحواديت .
وبعد رحيل منقرع بآلاف السنين وفى القرن التاسع عشر بعد الميلاد دخل عالم المصريات البريطانى كورنل فايز إلى عتمة غرفة الدفن بهرم منقرع وأخرج تابوته المحلى بأجمل النقوش فانبهر بمنظره وأراد نقله إلى بلاده لروعته فوضعه على السفينة التجارية بياتريس كى توصله إلى إنجلترا. لكن بياتريس غرقت عام ١٨٣٨ فابتلع البحر على الفور تابوت منقرع الذى ظل ينتظره ٤٥٠٠ سنة، ولم يبق من ذلك التابوت العظيم إلا جزء صغير استقر منذ ذلك الحين فى المتحف البريطانى بلندن.
نصوص: محمد سلماوى
لوحات: مكرم حنين
تنشر نصوص البرديات يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع

التوقيع:
أبى
هل تعرف كم احببتك
هل تعرف كم افتقدك
يا من ترك الدنيا بكل متعتها
اليوم تذهب الى الالهه الخالق
كيوم فيه ولدت باكيا
فهل تذهب بحسنات ام سيئات
حتى تلاقى الله ضاحكا مسرورا




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مصرية, التاسعةالتاب, تأملات, برديات, قصصية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع