العودة   الموقع الرسمي للاعلامي الدكتور عمرو الليثي > الأقسام العامة > المنتدي العام
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-30-2010, 12:38 AM
محمود طربوش محمود طربوش غير متواجد حالياً
عضو
 


إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى محمود طربوش إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى محمود طربوش
Question هل تصنع الكتب رئيسا؟




من انتخاب كيندي 1960 إلى انتخاب أوباما 2008


«تستحق كتب الحملات الانتخابية أن تختفي، ولكنها تؤدي واجبها». ذلك ما كتبه غاري ويلز في مقاله الذي يقدم عرضا لأربعة كتب ترصد انتخابات عام 2000. في ذلك الوقت، كان ذلك النوع من الكتب يبدو مستنزفا، فقد كانت الانتخابات تبدو وكأنها معدة خصيصا لوسائل الإعلام (خاصة التلفزيون)، حتى إن الكتب التي تناولت هذه الحملات فيما بعد لم يعد لديها جديد تقدمه. كانت حيوية السرد والتحليلات النفسية العميقة التي اتسمت بها كتابات ثيودور إتش وايت «صناعة الرئيس 1960» تعتمد إلى حد كبير على التقارير التي ترصد كواليس الأحداث وتقدم تغطية حية لأحداث قتلت بحثا فور وقوعها. وقد اختفى ذلك السرد المفعم بالحياة من تلك الكتب - على الأقل إذا ما حكمنا على الموضوع بناء على الكتب التي يرى ويلز أن لها شعبية.

* كيف إذن نبرر عودة الشعبية لخطاب الحملات الانتخابية اليوم؟

* لقد أفرزت انتخابات عام 2008 عدة كتب من الكتب الأكثر مبيعا؛ كان آخرها كتاب «تغير اللعبة» الذي شارك في تأليفه كل من جون هيلمان ومارك هالبرن. وبغض النظر عما إذا كان سياق الكتاب صحافيا أم تاريخيا، فإنه كان يمثل تكليلا لجهود الدعاية السياسية. ومن خلال تزايد شعبيتهما بما في ذلك ظهورهما في برنامج «60 دقيقة» والظهور المستمر في التلفزيون وبرامج الراديو، ساهم المؤلفان بانتقائية وعلى نحو استراتيجي في نشر سلسلة من التحقيقات الصحافية المثيرة.

في البداية، كان لدينا هاري ريد، زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ، الذي ساهم في شعبية الكتاب، من خلال اعتذاره عما ذكر على لسانه في صفحات الكتاب حول أن باراك أوباما «فاتح البشرة» ولكن «دون لهجة الزنوج». ثم جاءت بعد ذلك التفاصيل المثيرة لانهيار زواج جون إدواردز، تلتها الأحداث الدرامية التي أحاطت بهيلاري كلينتون، التي تم تصويرها في «تغير اللعبة» باعتبارها غير قادرة على السيطرة على زوجها. وفي النهاية كان هناك جون ماكين، الذي اختار على نحو غير مدروس أن تشاركه سارة بالين في حملته الانتخابية - فقد ثار وألقى باللوم على مساعيه في الحملة الانتخابية لإقحامها في «فم الأسد» في ذلك الحوار الكارثي الذي أجرته معها كاتي كوريك.

وقد ساعدت تلك القصص المثيرة - التي كانت جميعها تمثل جزءا من عرض المؤلفين الذكي - على إبقاء كتاب «تغير اللعبة» في صدارة الكتب غير الأدبية الأكثر مبيعا لسبعة أسابيع متصلة، ولكن الشعبية وحدها لا تضمن المبيعات. ولكن ماذا يوصل ذلك على وجه التحديد؟ في أحد الصباحات الماضية، وبعدما غادرت مأدبة غداء في مانهاتن وأنا أقبض على نسختي، أخبرتني امرأة بحماسة بالغة: «حسنا أحب ذلك الكتاب، فإنه مثل مسلسلات الدراما الطويلة»، أو كما يقول هندريك هرتزبرغ في مجلة «نيويوركر» فإن «تغير اللعبة» هو أول الكتب المتعلقة بالحملات الانتخابية الذي يتم قراءتها كأنه كتاب للتسلية.

ويجب أن أعترف بأنني واجهت صعوبة في التوقف عن القراءة، فقد أعاد لي الكتاب ذكرى الفترة التي كان فيها أولادي ما زالوا صغارا وكنت أجلس لمشاهدة الأخبار المسائية. وفي بعض الأحيان كنت أنسى إغلاق التلفزيون حتى حين برنامج هوليوود «الترفيه الليلة»، فكنت أذهب لإغلاقه فيصيح أولادي «هذه هي الأخبار المهمة». ويرجع الفضل في ذلك لهيلمان وهالبرن؛ فهما يعرفان ما هي الأخبار المثيرة في عام 2010. وبالتالي فقد كان كتابهم مسليا للغاية لأن مؤلفيه كانا يعملان بشكل مختلف للغاية عن وايت؛ فهما نادرا ما كانا يتوقفان بين التحقيقات الصحافية المثيرة لتحليل التاريخ السياسي أو لتقديم معلومات أوسع عن الظروف المحيطة بالأحداث في الدولة أو حتى لرصد الخلافات بين الشخصيات - المرشحين ومساعديهم - موضوع قصتهما. بل إنهما، بدلا من ذلك، وكما يوحي عنوان كتابهما، كانا يتعاملان مع تلك الانتخابات التاريخية وكأنها بطولة رياضية شرسة، يتنافس فيها الكثير من اللاعبين ويسقطون بعضهم على الأرض وتبدو صياغة الكتاب وكأنها معدة خصيصا للنشرات الإخبارية التي تهمين إلى حد كبير على التقارير السياسية في الوقت الراهن: أخبار الفضائح، الإشاعات، أحدث الاستطلاعات والأخبار الغريبة من كافة الولايات والتي تتدفق على الإنترنت، بالإضافة إلى التقارير المنحازة التي يتم بثها على الشبكات الكبلية («فوكس للأخبار» و«إم إس إن بي سي»، وتعليقات نجمي قناة « كوميدي سنترال»: جون ستويارت، وستفن كوبلرت). وكانت الانتخابات توفر ذلك النوع من الأخبار على نحو متواصل؛ حتى إنها أصبحت جزءا من عادات الجماهير. وعندما تتحول الأخبار إلى جدل سياسي، فإن مدمني السياسة، وأنا بينهم، يعانون من آلام الانسحاب. وقد استطاع كتاب «تغير اللعبة» ببراعة أن يسد ذلك الفراغ.

ولكن على غرار المدونات السياسية والبرامج الحوارية فإن ذلك الكتاب سرعان ما يخبو من الذاكرة. فبعدما قرأت كتاب «تغير اللعبة» بنهم شعرت بالإرهاق وشعرت بأنني في حاجة إلى الهواء المنعش. ثم أقرضت الكتاب لأحد أصدقائي دون أن أهتم إذا ما كان سوف يعيده أم لا. بل إنني في الحقيقة لم أكن أريد الاحتفاظ بذلك الكتاب في مكتبتي إلى جوار الكتب الكلاسيكية مثل كتب وايت وثلاثة كتب أخرى حول انتخابات 1986 - «الميلودراما الأميركية» الذي كتبه ثلاثة صحافيين بريطانيين؛ «85 يوما» الذي ألفته جولز وايتكوفر ببراعة وشجن حول حملة روبرت كيندي الانتخابية القصيرة، وكتاب «ترويج الرئيس» لجو مكغينيس - وبالنسبة لي فإن أعظم كتاب يدور حول الانتخابات كان كتاب «ما الذي يتطلبه الأمر؟» لريتشارد بن كرامر الذي يحتوي على رصد تفصيلي لمرشحي الانتخابات الرئاسية في 1988 وحملاتهم (لم أذكر بعض الكتب المهمة الأخرى خاصة هذه الكتب التي يصدرها فريق «نيوزويك» كل أربع سنوات منذ 1984).

وبعدما ذكرت نفسي بتلك الكتب، أدركت السبب الذي جعل كتاب «تغير اللعبة» يبدو تجربة خانقة بالنسبة لي؛ فقد كان الهواء الذي أحتاج إلى استنشاقه هو هواء بلادنا. وذلك حيث إن كتب الحملات الانتخابية العظيمة يجب أن تدور حول أكثر من مجرد دراما الحجرات الخلفية والمناورات التكتيكية، بل يجب أن تتحدث حول التفاعل بين المرشحين وناخبيهم. وكان نصيب حملة 2008 في ذلك الإطار وفيرا. لقد اعتمدت الحملة الانتخابية على رياح التغيير ومع ذلك لم يقدم «تغير اللعبة» أي شيء مهم حول ذلك، فليس من المفترض أن تجعل الكتب الانتخابية القارئ يشعر بالإثارة؛ فنحن نستحق أن نعرف من هم المرشحون والفائزون والخاسرون على حد سواء كأشخاص وليس كمرشحين فقط؛ فأن نفهم المرشحين على نحو أفضل يعني أن نتعلم شيئا جديدا حول أميركا في لحظة محددة من تاريخها.

ويجب أن نبدأ مع وايت، الذي ابتكر ذلك النوع من الكتابة في تقريره حول انتخابات 1960. ففي ذلك الوقت، تعرض وايت للانتقاد لأنه احتفى بجون كيندي. ولكن في القراءة الثانية للكتاب، يتضح أن خصم كيندي الديمقراطي المنهزم هوبرت هامفري هو الذي تم تقديمه باعتباره الشخصية الأكثر أهمية والتي أسيء فهمها.

وقد قدم وايت مشهدا مميزا للغاية قبل الانتخابات الرئيسية بفيرجينيا الغربية، التي قضت على هامفري. فقد كان هامفري يجلس في مطعم لتناول إفطاره، عندنا دخل عليه أحد المسؤولين عن حملته ليخبره بأنه سيفقد الوقت المخصص للبث التلفزيوني إذا لم يدفع للمحطة المحلية على الفور. فصرخ فيه هامفري الذي لم يعد ذلك المقاتل المتحمس: «ادفع لهم! ولا أكترث كيف ستفعل ذلك، ولكن لا تخبرني بمثل تلك الأشياء مرة أخرى!» ثم، كما قال وايت: «أدركت أن ذلك المساعد المحبط ليس لديه المال مثله تماما» فسحب هامفري دفتر الشيكات على طاولة الإفطار وقال: «حسنا، سوف أدفع بنفسي»، ثم وقع له شيكا شخصيا. وأضاف وايت: «وكانت السيدة هامفري تراقبه وهو يفعل ذلك بعيون حزينة حتى إن المرء ليشعر بأن ذلك المال كان مخصصا لشراء البقالة أو المال المخصص لدفع نفقات زواج أختهما التي كان يجب أن تتزوج في الأسبوع التالي للانتخابات». وكان تعاطف وايت مع هامفري الذي تغلب عليه رجل ثري لم يعرف قط معنى الجوع واضحا للغاية.

ولم تكن قوة المشهد ناجمة فقط عن صدقه بل كذلك عن السياق الذي ذكر فيه. فعلى الرغم من أن القارئ يعرف النتيجة فإنه يشعر بالتوتر الذي يبدأ عندما يصل كيندي إلى منزل أسرته في ميناء هيانيس عشية الانتخابات. فقد كان يشاهد النتائج على التلفزيون حتى الساعة 3:40 صباحا ثم بدأ يتناول شطيرة، وكان يتذمر من عدم وجود لبن في المنزل وأنه لا توجد سوى البيرة، ثم ذهب لسريره وهو ليس متأكدا مما إذا كان سيفوز أم لا. تلك اللحظات التي كانت تتسم بالحيوية والعفوية أعطت لوايت المساحة كي يعزز قصته ويضعها في السياق الملائم من بين عدة أشياء أخرى ضمن 32 صفحة مفيدة حول تاريخ الانتخابات الأميركية.

كان وايت يكتب في وقت كان التلفزيون قد شرع للتو للتحول إلى وسيط يتمكن من خلاله غالبية الأميركيين من معاينة الحملات السياسية، وإن كان بصورة محدودة. وظلت الكثير من النشاطات والمجهودات تجري خلف الكاميرا، الأمر الذي مكن صحافيا قديرا مثل وايت من الفوز بإمكانية الاتصال المباشر، لكن غير المعلن، بالمرشحين وكذلك أفراد أسرهم وأعضاء فرق العمل المعاونة لهم، والذين تحدثوا بصراحة عن آمالهم وطموحاتهم. لكن هذا الحال لم يعد قائما، ذلك أن الحضور الطاغي للكاميرا والميكروفون خلق بدلا من ذلك مسرحا بديلا للحملات الانتخابية التي تتقيد بنص محدد بصرامة، حيث أبقى المرشحون على رسالة معينة وبقي المراسلون على مسافة معينة منهم.

في الواقع، جاء التغيير سريعا، فبحلول عام 1968، كان من شأن تنامي تعقيد المشاهد الخارجية للحملات السياسية، التي تعززت بالإعلانات مرتفعة التكلفة، زيادة صعوبة تمكن الصحافيين من سبر أغوار العوامل الداخلية للانتخابات. ويدور كتاب «ترويج الرئيس» حول هذا الغموض، حيث كانت لدى مكغينيس فكرة عبقرية لاستقطاع جزء من الجهود السياسية التي لم يغطها التلفزيون، وربما يفتقر القدرة إلى القيام بذلك، ويتعلق هذا الجزء على وجه التحديد برجال الإعلانات والدور الذي اضطلعوا به في إحداث تحول في السياسات عبر إعلان تجاري لا تتجاوز مدته 60 ثانية. منذ منع مسؤولو حملة همفري الانتخابية مكغينيس من الاتصال بالفريق المعني بالدعاية التابع للحملة، عمل على تغطية الحملات الانتخابية لريتشارد نيكسون. وبمرور الوقت اتضح أن هذا الوضع كان مثاليا لأنه مكن مكغينيس من أن يقدم إلى العالم رجلا مخضرما بمجال صناعة الإعلانات، روجر إيليز. وتمثلت النتيجة في كتاب خلا على نحو يثير الدهشة من السخرية التي ينطق بها عنوانه. بدلا من ذلك، يعبر مكغينيس من خلال هذا الكتاب عن شعوره بالإثارة تجاه الاكتشافات التي توصل إليها. ويصور مكغينيس جهود نيكسون لإتقان فن التودد إلى الجمهور بنبرة سيطرت عليها الدعابة والتعاطف. على سبيل المثال، كتب عن نيكسون أنه «كان يخشى التلفزيون. وكان يعلم أنه من العسير سبر أغواره. فيما وراء ذلك، كان يعد الأمر برمته حيلة جديدة، وكان استخدامها على الصعيد السياسي يثير ضيقه. الواضح أن هذه الحيلة لم تكن جزءا من أصول اللعبة عندما تعلمها، ولا يرى سببا لإتباعها الآن. وراوده بعض الشك في أن الأمر مجرد خدعة (ليبرالية) ترمي لتصويره كشخص أحمق. وقد جرح ذلك كبرياءه، أحد أصدق المشاعر التي كان يملكها على الإطلاق».

في الحقيقة، انتابني شعور بالدهشة لدى إعادة قراءتي لهذه الكتب القديمة بالنظر إلى أنها جميعا كتبت قبل فضيحة «ووتر غيت»، أي في وقت كان الكثيرون ما يزالون ينظرون إلى العمل بالسياسة كمهمة عظيمة نبيلة، وإلى السياسيين باعتبارهم شخصيات عظيمة تثير مشاعر إعجاب حقيقي حتى في نفوس الصحافيين. يبدو واضحا أمام القارئ أن كل من وايت ومكغينيس يعشقان السياسة. وبالطبع، يعشق هيلمان وهالبرن السياسة أيضا (كان هيلمان يكتب مقالات سياسة رفيعة المستوى في مجلة «نيويورك»، بينما عمل هالبرن محللا سياسيا بارزا لدى «تايم»). لكن في «تغير اللعبة» يظهر الكثير من المرشحين ومساعديهم كمخادعين أو حمقى، باستثناء أوباما وفريق العمل المعاون له، وحتى هؤلاء الأفراد الماهرين ظلت صورتهم كأشخاص بعيدة عن القارئ.

مرة أخرى، يبدو التناقض مع انتخابات عام 1968 شديدا. كانت جوليس ويتكفر عضوا في الفريق الصحافي الذي غطى المؤتمر الصحافي الموجز لروبرت كينيدي في خضم سعيه الحثيث للفوز بالترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي. وبمرور الوقت، أصبح بعض الصحافيين المعنيين بتغطية أنباء روبرت، الذي عرف باسم «بوبي» على سبيل التدليل، مغرمين بشخصه وآرائه المناهضة للحرب والمناصرة للحقوق المدنية، لدرجة دفعتهم للتشكك في مدى موضوعيتهم وحيادهم، بل إن بعضهم طلب من رؤساء التحرير إعفاءه من مهمة تغطية الحملة الانتخابية. إلا أن ويتكفر تمكنت من الاستمرار في تغطيتها للحملة الانتخابية من دون أن تفقد مصداقيتها، حيث يطرح كتاب «85 يوما» نقدا قويا للخطوات الخاطئة التي اتخذها المرشح ويكشف النقاب عن مشاحنات داخلية، بينها حادثة اعتدى خلالها المنظم ديك تك على أحد المراسلين بالضرب. في الوقت ذاته، رسمت ويتكفر صورة تنبض بالحياة لموهبة روبرت النادرة التي مكنته من مس قلوب الكثير من الناخبين، وكشفت عن حقيقة ما يعنيه أن يعمل المرء مراسلا يتولى تغطية حملة انتخابية تعج بالأحداث وينتهي بها الحال إلى نهاية مأساوية.

وكتبت ويتكفر أنه عندما مرت سيارته عبر لوس أنجليس «ارتفعت الأيدي ملوحة - ما بين سمراء وبنية وبيضاء، وما بين صغير وكبير، وارتفعت الوجوه إلى الأعلى، وتعالت بعض الأصوات مطلقة صيحات التشجيع، بينما بدت وجوه أخرى تحاول التعبير عن هذا التشجيع من خلال نظراتها التي تنم عن عشقها له، أو سعادتها بقدومه».

بوجه عام، يحمل هذا الكتاب الموجز بداخله الكثير من المعلومات، ليس عن كينيدي فحسب، وإنما كذلك عن الحالة المزاجية المضطربة التي سادت البلاد خلال الانتخابات الحديثة الوحيدة التي ربما جاءت على مستوى نظيرتها في عام 2008 من حيث الإثارة والأهمية.

من ناحية أخرى، يطرح كتاب «الميلودراما الأميركية»، الذي يقع في 814 صفحة ووضعه ثلاثة صحافيين مهرة يعملون لحساب «تايمز أوف لندن» - لويس تشيستر وغودفري هودجسون وبروس بيدج - صورة قوية لما كانت عليه انتخابات عام 1968، إلى جانب عرض صورة واسعة للمشهد السياسي الأميركي، بل والكشف عن بعض الأخبار المثيرة كتلك التي يتضمنها كتاب «تغير اللعبة». في أحد الأجزاء النابضة بالحياة على نحو خاص، ينسى جورج والاس في لحظة ما أن زوجته، لورين، توفيت للتو ويشرع في الاتصال هاتفيا بمنزلهما في مونتغمري. وسرعان ما تتملك القشعريرة يده ويتحول وجهه إلى اللون الرمادي عندما يدرك أنه لم يعد هناك أحد بالمنزل كي يخبره عما شهده اليوم من أحداث.

وإذا كان العنصر العاطفي غائبا على نحو لافت للانتباه عن «تغير اللعبة»، فإن «ما يتطلبه الأمر»، الذي ألفه ريتشارد بين كريمر، يكاد يكون دراسة على «النهج الفرويدي» لحياة وأفكار المرشحين المشاركين في الحملة الانتخابية الرئاسية عام 1988. وكتب كريمر يقول: «حاولت أن أسرد قصصهم بصورتين - بالتزام أكبر قدر ممكن من الإنصاف من المنظور الخارجي، وبالتزام أكبر قدر ممكن من التعاطف من المنظور النفسي الداخلي. وخلال القيام بذلك، حاولت، ليس فقط تصويرهم، وإنما كذلك تصوير ما عليه حال الحياة السياسية لدينا - وما يعنيه أن يرشح المرء نفسه لمنصب الرئاسة، وما يتطلبه هذا الأمر منه، وما الذي يكتسبه في خضم ذلك، وما الذي يفقده أو يقتطع منه». في الحقيقة، تميز هذا التوجه إزاء وضع الكتاب بطابع مبتكر وملهم.

في المرة الأولى التي قرأت خلالها الكتاب، عام 1992، ترك أسلوب تصوير بوب دول وريتشارد غيفاردت، وكلاهما نموذجي أميركي تقليدي، انطباعا قويا للغاية لدي. خلال قراءتي الثانية للكتاب، اكتشفت في الصفحات التي تناولت غاري هارت قوة كبيرة. عندما يصف كريمر انهيار حملة هارت بسبب مزاعم بخيانته زوجته - بما في ذلك نزواته في الخارج على متن قارب يدعى «مونكي بيزنس» - ويمكن للقارئ تخيل ما شعر به هارت خلال تلك الأسابيع عندما طاردته أبواق الإعلام.

في خضم تناول كريمر لهذه الفترة، التي سبقت جلسات الاستماع التي عقدت بشأن علاقة كليرنس توماس وأنيتا هيل وتفجر فضيحة مونيكا لوينسكي، بدا الاضطراب واضحا عليه، رغم تحديه وسائل الإعلام أن يعرض دليلا على نزواته العاطفية المزعومة.

ويمكن مقارنة ذلك بـ«تغير اللعبة»، الذي قدم عرضا فظيعا لقسوة إدواردز تجاه أسرته، خاصة زوجته المريضة بالسرطان.

إذن، هل كان غاري ويلز محقا في اعتقاده بحلول نهاية عصر الكتب التي تتناول الحملات الانتخابية؟ يبدو من غير المنصف وضع عبء إثبات هذا الأمر برمته على كاهل كتاب «تغير اللعبة»، خاصة في ظل وجود كتابين آخرين مهمين حول انتخابات عام 2008، «الخيانة» لريتشارد وولف، الذي تولى تغطية أخبار الحملة الانتخابية لصالح «نيوزويك»، و«معركة أميركا 2008»، لدان بالز، الذي يعمل في «واشنطن بوست»، وهاينز جونسون، الذي سبق له العمل في الصحيفة ذاتها.

لقد لمح أوباما نفسه أمام وولف إلى أنه يحاول الكتابة بأسلوب وايت. ويرسم كتاب وولف صورة رائعة للمرشح الانتخابي، لكنها صورة ناشئة بصورة كاملة تقريبا من داخل فقاعة حملة أوباما ذاتها، وتفتقر إلى الحركة والتصوير المفعم بالحياة للمرشحين المنافسين، وهي عناصر شكلت علامات مميزة للكتب الأقدم. مثل هيلمان وهالبرن، ينظر وولف إلى الحملة الانتخابية كسباق رياضي رائع. (بل إن الفصل السادس يحمل عنوان: «مبدل قواعد اللعبة»).

من ناحية أخرى، يبدو التداخل أمرا لا مفر منه بين الكثير من الكتب التي تتناول حملة انتخابية حظيت بتغطية واسعة. الملاحظ أن مؤلفي «معركة أميركا 2008»، مثلما الحال مع «تغير اللعبة»، من المراسلين السياسيين البارزين في واشنطن، لكنهما افتقرا إلى مهارات العلاقات العامة التي تميز بها المسؤولون عن «تغير اللعبة»، وبالتالي حظيا بقدر أدنى من الاهتمام وحققا مبيعات أقل.

ومثلما الحال مع كتاب وولف، يشبه كتابهما بدرجة أكبر الأعمال الكلاسيكية الأقدم. ويبدو أن الكتاب جرى تأليفه بتأن، ويعتمد على تجاربهما الشخصية داخل الطائرات المخصصة لفرق الحملات الانتخابية الرئاسية والحديث إلى الناخبين. ومع ذلك، يبقى المناخ العام المشحون الذي يعرضه «تغير اللعبة» الأنسب للوقت الراهن. ربما يعثر ويلز في هذا الكتاب على دليل يؤكد صحة فرضيته بأن نوعية الكتب التي تتناول الحملات الانتخابية، في صورتها التقليدية، «في انحسار، بل في انهيار»، لكنه ربما يجد نفسه مضطرا للاعتراف بأن الكتاب يبث الروح في شكل جديد لمثل هذه النوعية من الكتب.

التوقيع: إذا اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجود الإنسان قيمة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الكتب, تصنع, رئيسا؟


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع