عن تميم الداري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الدين
النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه
، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم » رواه مسلم .
كرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة اهتماما للمقام ، وإرشادا للأمة أن يعلموا
حق العلم أن الدين كله - ظاهره وباطنه - منحصر في النصيحة . وهي القيام التام بهذه
الحقوق الخمسة .
فالنصيحة لله :
الاعتراف بوحدانية الله ، وتفرده بصفات الكمال على وجه لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه ، والقيام بعبوديته ظاهرا وباطنا ، والإنابة إليه كل وقت بالعبودية ، والطلب رغبة ورهبة مع التوبة والاستغفار الدائم ؛ لأن العبد لا بد له من التقصير في شيء من واجبات الله ، أو التجرؤ على بعض المحرمات . وبالتوبة الملازمة والاستغفار الدائم ينجبر نقصه ، ويتم عمله وقوله .
وأما النصيحة لكتاب الله
: فبحفظه وتدبره ، وتعلم ألفاظه ومعانيه والاجتهاد في العمل به في نفسه وفي غيره .
وأما النصيحة للرسول فهي الإيمان به ومحبته . وتقديمه فيها على النفس والمال والولد ، واتباعه في أصول الدين وفروعه ، وتقديم قوله على قول كل أحد ، والاجتهاد في الاهتداء بهديه ، والنصر لدينه .
وأما النصيحة لأئمة المسلمين
- وهم ولاتهم ، من الإمام الأعظم إلى الأمراء والقضاة إلى جميع من لهم ولاية عامة أو خاصة - : فباعتقاد ولايتهم ، والسمع والطاعة لهم ، وحث الناس على ذلك ، وبذل ما يستطيعه من إرشادهم ، وتنبيههم إلى كل ما ينفعهم وينفع الناس ، وإلى القيام بواجبهم .
وأما النصيحة لعامة المسلمين
فبأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه ، ويسعى في ذلك بحسب الإمكان ، فإن من أحب شيئا سعى له ، واجتهد في تحقيقه وتكميله .
فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر النصيحة بهذه الأمور الخمسة التي تشمل القيام بحقوق الله ، وحقوق كتابه ، وحقوق رسوله ، وحقوق جميع المسلمين على اختلاف أحوالهم وطبقاتهم . فشمل ذلك الدين كله ، ولم يبق معه شيء إلا دخل في هذا الكلام الجامع المحيط .