المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دكتور عمرو الليثي يكتب الحاكم العادل (4)


على الشامى
03-15-2018, 02:05 AM
رأى عمر بن عبدالعزيز، رضى الله عنه، أن ما آل إليه هو تكليف عظيم من الله ولقد تجلت سياسة عمر التى سيسير عليها طوال فترة خلافته- التى لم تكن بالفترة الطويلة - فى أولى لحظات الخلافة حينما خطب الناس خطبةً بليغة. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبى بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وأنى لست بفارضٍ ولكنى منفذ، ولست بمبتدع، ولكنى متبع، ولست بخير من أحدكم، ولكنى أثقلكم حملاً، وإن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم، ألا لا طاعة لمخلوقٍ فى معصية الخالق»، ليرسم الخطوط العريضة التى سيسير عليها والتى تتجلى واضحة فى مواقف عظيمة له أثناء خلافته.



ومن ضمن هذه المواقف موقفه من وهب بن منبه الذى كان أمينا على بيت مال المسلمين فى اليمن، فكتب إلى عمر رحمه الله: إنى فقدت من بيت مال المسلمين دينارا، فكتب له عمر رضى الله عنه، إنى لا أتهم دينك ولا أمانتك، ولكن أتهم تفريطك وتضييعك، وأنا حجيج المسلمين فى أموالهم، والسلام.

وسار على هذا المنوال فى المحافظة على مال المسلمين وعدم تفريطه فى حقوقهم، حتى اللحظات الأخيرة من حياته لنجده وقبل وفاته بأيام جمع أولاده جميعا وقال لهم: يا أولادى كنت أتمنى أن أترككم فى رغد من العيش ووافر من النعمة ولكنى علمت أنكم لا ترضون لأبيكم أن يترككم فى خير ويقف هو أمام الله ليحاسب عليه..

لقد ترك عمر لأولاده ثمانية عشر دينارا كُفِّن منها بأربعة واشترى له قبراً بخمسة ووزع الباقى على أولاده، وسئل أحد الأيام عن أولاده فقال: أولادى أحد اثنين: إما متق يتقى الله فيجعل له من أمره مخرجا، وإما عاصن فأنا لا أترك فى يده شيئا يستعين به على معصية الله.

ويالعظمة هذا الإمام العادل والأب الحانى الذى يحرص ويخاف على أولاده ويريد لهم التقى والعفاف والفلاح فى الدنيا والآخرة وله مع أولاده وبناته مواقف نتخذ منها العبرة والعظة فى كيفيه تعاملنا مع أبنائنا وتربيتهم تربية سوية تجعلهم حريصين على آخرتهم قبل دنياهم، فذات يوم من أيام العيد جاءت بنات عمر وقلن له يا أمير المؤمنين! العيد عدى وليس عندنا ثياب جديدة نلبسها، فنظر عمر إلى بناته وقال لهنّ: إنّ العيد ليس بلبس الجديد إنه بالخوف من يوم الوعيد.