إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-14-2019, 01:52 PM
رضا البطاوى رضا البطاوى غير متواجد حالياً
عضو
 

افتراضي نقد رواية الغائب لنوال السعداوى

نقد رواية الغائب لنوال السعداوى
نوال السعداوى كاتبة معروفة بإنتماءها لما يسمى بالتيار العلمانى ولها آراء مخالفة للمعروف بدت وكأنها تحارب الإسلام فى كل حياتها وإن كانت فى الحقيقة تحارب الإسلام الذى أراد الحكام وعلماء السلطان أن نعرفه وقد نذرت حياتها لتلك الحرب المزعومة وهى حرب وهمية لأن من يقرأ العديد من آرائها يجدها تتفق مع حكم الله ولكنها هى وكثير غيرها من التيار العلمانى يوهمون أنفسهم أن عداوتهم مع الإسلام مع أن عداوتهم بالفعل هى مع الحكام ومن يدور فى فلكهم من علماء السلطة فهم من نشروا المقولات الخرافية على أنها جزء من الإسلام وهو ما فهمته نوال فى بعض كتبها ككتاب قضايا المرأة والفكر والأخلاق حين قالت :
"ويحاول بعض الناس وخصوصا فى الدوائر الغربية الاستعمارية أن يصوروا مشكلة المرأة العربية على أنها مشكلة خاصة بالدين الإسلامى"ص159 وأيضا فى قولها:
"باسم الإسلام والدين صوروا الإسلام على أنه دين يحمى الطبقات ويحرم الثورة أو التمرد ضد الحكام أو ضد النظام القائم ويحرم الشكوى من الفقر ...وقد رأينا كم لعب الإعلام الدينى دورا فى خدمة الحركات الرجعية الاستغلالية وكم شجع الأفكار الخرافية والاستسلامية والقدرية والتواكلية التى تعجز الشعوب عن الثورة ضد الظلم والاستغلال "ص162
وأيضا قالت "وقد لاحظت أيضا كيف تستغل الحكومات الإسلام من أجل استغلال الشعوب"ص163
ومع هذا الفهم إلا أن المرأة ظلت تعتنق ضد ما فهمته عددا من الأمور المناقضة لفهمها وللإسلام الصحيح فتقول فى نفس الكتاب :
"ترتبط صفات الأنوثة منذ نشوء العبودية بالخضوع والطاعة والاستسلام للمصير الأنثوى الذى فرضه الله والمجتمع"ص18
فهنا الفهم القاصر للطاعة فالله فرض طاعته على الرجال والنساء جميعا وما نسميه طاعة الزوج ليس من طاعة الله إن خالف حكم الله فعندما يأمرها بأن تخاصم أهلها أو لا تكلم فلانة أو فلان فهذا ليس من طاعة الله ومن ثم ليس من طاعة الزوج
وأما قولها:
"ومفهوم الشرف يتعلق بغشاء خلقه الله فى أجساد البنات فقط لم يخلقه فى أجساد الأولاد لأن الذكور ليس لهم شرف يتعلق بشىء فى أجسادهم"ص40
فهو يدل على مفهوم ليس له وجود فى الإسلام بهذا الاسم وهو الشرف وهو اعتراض على خلقة الله لا مبرر له سوى الفهم الخاطىء فالشرف وهو الحفاظ على الفرج مطلوب من الاثنين الرجل والمرأة معا ولذا كان العقاب واحد لهما عند ارتكاب جريمة عدم حفظ الشرف بالزنى وهو قوله تعالى "الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"
وأما قولها :
"إلا أن القانون والشرع يرانى نصف رجل لا أستطيع أن أدلى بشهادة فى المحكمة كإنسانة كاملة ليس لى حق الولاية على أخواتى القاصرات لا يمكن لى السفر دون إذن مكتوب من زوجى يملك حقوقا لا أملكها منها الطلاق تعدد الزوجات ما سمى بقوامة الرجل "ص43
فالشرع لا يرى المرأة نصف رجل وإنما يراها أنثى وأما حكايات الولاية وعدم السفر وغيرها فهى أمور لم تفهم فيها المرأة حكم الله الحق فيها والله لم يقل أن الرجل كامل والمرأة ناقصة وإنما كل كامل فى مجاله فكل ميسر لما خلق له ولا نستطيع أن نناقش تلك الاعتراضات هنا لأننا نتناول حكاية الغائب وإن شاء الله سوف نتناولها فى كتاب منفرد
فى الرواية الغائب استمرت نوال على نفس النهج وعالجت بعض المسائل التى كانت تكتب فيها المقالات
بطلة الرواية فؤاده والتى يبدو اسمها مأخوذ من حكاية عتريس وفؤاده تمثل عند نوال رمز البراءة وكذلك حبيبها فريد المناضل وكأنها تذكرنا ببهاء فى رواية ميرامار لنجيب محفوظ فكلاهما يناضل لشىء عظيم وكلاهما يقع فى نفس الخطأ وهو الزنى
تناولت نوال فى الحكاية عدد من المسائل التى ركزت عليها فى مقالاتها المعروفة والتى تتحدث غالبا عن الشهوة التى تسمى خطأ بالجنسية وهى :
-خوف المجتمع من تناول الشهوة وهو ما يظهر فى اعتبار السؤال عن التكاثر خروج عن الأدب من قبل معلمة الصحة فى الفقرة التالية:
"أيمكن أن يكون النخل أكثر أهمية عندهم من أنفسهم وقبل نهاية العام رفعت إصبعها وسألت مدرسة الصحة والأشياء فاعتبرت سؤالها خروجا عن الأدب وعاقبتها بالوقوف أمام الحائط رافعة ذراعيها وتساءلت فؤاده وهى تحملق فى الحائط لماذا تلقح النباتات والحشرات والحيوانات بعضها البعض ويعتبرون ذاك علما من العلوم وفى حالة الإنسان يعتبرونه شيئا فاضحا يستحق العقاب؟ص33
وهو كلام انتقادى لعدم الإجابة على أى أسئلة تتعلق بالشهوة وهو ما يتفق مع قوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"
- الجهل النسوى بالشهوة وهو ما يعبر عنه أن فؤاده لم تكن تعرف تسميات الأعضاء الأنثوية بسبب أمها والتى علمتها الخطأ عمدا فى الفقرة الآتية:
"ولأنها كانت تسمعها كثيرا لم تكن تعرفها كأعضاءها الأنثوية تراها ملتصقة بجسمها وتغسلها بالماء والصابون كل يوم دون أن تعرفها وكانت أمها هى السبب ربما لو ولدت بغير أم لعرفت كل شىء من تلقاء نفسها"ص32
وهو انتقاد يتفق مع ذكر القرآن للحيض وأحكام الجماع وغيرها
-خوف الأمهات من تعليم بناتهن ما يختص بأجسامهن والسبب المعروف الخوف من وقوعهن فى الخطيئة إذا عرفن وظائف الأعضاء وهو ما توضحه الفقرة التالية:
" فقد كانت تعلم وهى صغيرة أنها ولدت من فتحة فى نهاية بطن أمها وأنها قد تكون هى الفتحة التى تبول منها أو فتحة أخرى مجاورة لكن أمها نهرتها حين أطلعتها على اكتشافها وقالت لها أنها ولدتها من أذنها وأفسدت أمها بهذا التصريح أحاسيسها الطبيعية وعطلت إدراكها لكثير من البديهيات مدة طويلة"ص32
وهذا الكلام انتقاد يتفق مع وجوب تعليم المسلمين والمسلمات لأحكام الإسلام فكيف تعرف البنت أو الولد آداب دخول الكنيف أو الكبنيه من غسل المهبل والشرج أو المهبل والقضيب دون أن يكون لهما اسم ؟ وكيف تعرف البنت أو الولد الخطيئة إن لم يعرفا أن ممارسة الجماع ومن ضمنها إدخال القضيب فى المهبل ؟
-كون المجتمع ذكورى ففى رأيها أن الرجل يفعل ما لا تفعله المرأة لكونه ذكر فقط وليس لأن لديه قدرة أكثر من المرأة وهو ما يتضح من الفقرة التالية:
" وفى يوم حمل إليها الصوت قصة اكتشاف الراديوم كان قد حمل إليها من قبل أسماء رجال كثيرين اكتشفوا أشياء وكانت تقرض أظافرها وهى تسمع وتقول لنفسها لو كنت رجلا لاستطعت مثلهم وتحس بطريقة خفية أن هؤلاء المخترعين لا يزيدون عنها قدرة على الاكتشاف ولكنهم رجال نعم الرجل قد يفعل شيئا لا تفعله المرأة لمجرد أنه رجل إنه ليس أكثر قدرة ولكنه ذكر وكأن الذكورة فى حد ذاتها شرط من شروط الاكتشاف" ص29
هذا الانتقاد وإن كان انتقاد لمجتمع وليس للدين فهو انتقاد يخالف طبيعة خلق الذكر والأنثى فكلاهما لديه زيادة فى قدرة ونقص فى قدرة فالرجل لديه قدرة تذكر أكبر وعنده نقص فى الاهتمام بالأطفال والمرأة العكس لديها اهتمام زائد بالأطفال ونقص فى القدرة التذكرية
-العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة دون زواج وهى لم تسمها باسمها الحقيقى وهو الزنى ولكنها عبرت عن ذلك برفض البواب للزنى فقالت :
"ورأت البواب الأسمر جالسا على دكته فى مدخل السلم وكانت على وشك أن تسأله عن فريد لكنها تجاهلت نظرته الفاحصة المستطلعة الخاصة بكل البوابين لأنه يعرفها وقد رآها مرات ومرات تصعد إلى شقة فريد لكنه كان دائما وفى كل مرة يصوب إليها النظرة نفسها الفاحصة المستطلعة وكأنه لا يعترف بكل تلك العلاقة بينها وبين فريد "ص31
ويشير للزنى ما جاء فى الفقرة التالية:
"لكن فريد كان محور حياتها كانت تبتلع أيامها كجرعة من زيت الخروع ثم يهل يوم الثلاثاء بإشراقته العجيبة يوم الثلاثاء هو موعدها مع فريد كل ثلاثاء فى الثامنة مساء فى ذلك المطعم الصغير إن كان الجو دافئا أو فى بيته فى ليالى الشتاء القارصة كم شتاء مر على علاقتهما إنها لا تعرف تماما ولكنها تعلم أنها تعرف فريد من زمن بعيد .. لم يخلف الموعد مرة واحدة ولم يكذب مرة واحدة ربما أخفى عنها أشياء لكنه لم يكذب حتى حينما جاءت سيرة الزواج من حيث لا يدريان قال لها وهو ينظر إليها بعينيه البنيتين اللامعتين لن أستطيع الزواج لفترة من الزمن لو قالها رجل أحر فربما أحست بالشك فيه أو بطعنة فى كرامتها لكن فريد كان مختلفا وكان كل شىء يصبح معه مختلفا" ص21
وأيضا:
"رائحة الياسمين كان لها معنى لقائها مع فريد وكان لها ملمس قبلاته فوق عنها ولكنها الآن تعنى غيابه"ص22
هذه الفقرات تعتبر دعوة لنشر الفاحشة فى المجتمع من خلال العلاقات وهو ما نخالفها فيه فالمفترض فيمن يريد إصلاح المجتمع أن يسمى الشىء باسمه الحقيقى
- طغيان الرجل العقيم الباحث عن الإنجاب على زوجته وهو ما عبرت عنه الفقرات التالية:
"وقال الرجل بصوت خشن جئنا لنعرفى بالتحاليل ما سبب عقم زوجتى ...ورد الرجل قائلا عرضتها على أطباء كثيرين ...وسألته فؤاده وهل فحصت نفسك أيضا ونظر الرجل إليها فى دهشة أنا وقالت فى هدوء نعم أنت الرجل أحيانا يكون السبب..لكن المرأة لم تتحرك من مكانها ..وشعرت فؤاده بشىء من الخوف فاقتربت من المرأة وربتت على كتفها قائلة اذهبى مع زوج يا سيدتى وكأنما كانت فى تلك اللمسة شحنة كهربية فانتفضت المرأة وأمسكت بذراع فؤاده بكل قوتها وصاحت بصوت غريب لن أذهب معه أنقذينى إنه يضربنى كل يوم ويأخذنى إلى أطباء يضعون أسياخا من الحديد فى جسمى فحصوا كل شىء وحللوا كل شىء وقالوا إننى لست عقيما إنه هو المريض ً91..تزوجنى منذ عشر سنوات ولا زلت عذراء إنه ليس رجلا إنه لا يعرف فى الظلام مؤخرتى من رأسى وانقض الرجل عليها كالوحش وراح يضربها بيديه وقدميه ورأسه فأخذت المرأة تضربه بكل قوتها... ورأت باب المصعد يفتح فجأة ويخرج منه الساعاتى ..وقفت فؤاده جامدة فى وسط الصالة تسمع صوتهما العالى وهما يتناحران على السلم وسارت لتفتح البال وترى ماذا يفعل الرجل بالمرأة لكن صوتهما انقطع وأصبح الممر هادئا وذهبت إلى النافذة لتطل عليهما وهما يخرجان من العمارة وكانت تظن ان المرأة لن تخرج منتصبة على قدميها لكنها دهشت حسن رأت الرجل يخرج ومن ورائه المرأة كانت تسير مطرقة هادئة الهدوء نفسه الذى كانت عليه قبل الحادثة" ص92
هذا الانتقاد سليم وهو ما يوافق قوله تعالى "ويجعل من يشاء عقيما" فالعقم يصيب الرجل كالمرأة
كما تناولت نوال قضايا أهمها :
أن العمل الحكومى يقضى على طموح الباحث العلمى فقد سمت أماكن العمل الحكومى قبرا فى الفقرة التالي:
"ونظرت فى الساعة كانت العاشرة والنصف أمامها ثلاث ساعات ونصف لتخرج من هذا القبر وجلست إلى المكتب لحظة ثم نظرت على الساعة كان العقربان الرفيعان قد تجمدا فوق الساعة العاشرة ودست حقيبتها تحت غبطها ونهضت ثم خرجت مسرعة "ص15
وبينت أن البحث العلمى فى الحكومة عبارة عن مكاتب لا يحدث فيها أى عمل كالبحث العلمى فكله ما يتم فعله هو توقيع الحضور والانصراف فقط وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"وخرجت فؤاده من الحمام ووقفت فى الصالة أمام أمها وقالت ما قيمة درجة أو علاوة يا أمى بل ما قيمة الوزارة أنت تتصورين أن الوزارة شىء ضخم عظيم إنها ليست إلا مبنى قديما آيلا للسقوط وأنت تتصورين أننى حين اخرج كل يوم فى الصباح الباكر وأعود بعد الظهر أننى لا أعمل شيئا لا أعمل شيئا على الإطلاق إلا أن اكتب اسمى فى دفتر الحضور والانصراف"ص47
وبينت أن العمل الحكومى ترقياته ليست مرتبطة بالعمل الكثير ولا بالاكتشافات ولا الاختراعات وإنما مرتبطة بالأقدمية أو بالنفاق فقالت فى الفقرة التالية:
" ونظرت إليها أمها بعينيها الصفراوين الواسعتين وقالت بصوت واه ولكن لماذا لا تشتغلين يا ابنتى إنهم لن يرضوا عنك بسبب هذا ولن تحصلى على ترقيات وابتلعت فؤاده ريقها وقالت ترقيات الترقيات تعطى حسب شهادة الميلاد وحسب مرونة عضلات الظهر وقالت أمها فى دهشة مرونة عضلات الظهر هل أنت فى قسم الأبحاث الكيمائية أم الألعاب الرياضية وضحكت فؤاده ضحكة قصيرة سريعة ثم وضعت إصبعها على فم أمها قائلة لا تقولى الأبحاث إنها من الألفاظ الجارحة وقالت الأم لماذا وقالت فؤاده لا شىء إننى أضحك معك المسألة كلها هى أننى سأنشىء معملا كيمائيا "ص 47
وكذلك فى الفقرة التالية:
"كان مدير القسم غاضبا يتكلم بصوت عال تناثر له لعابه كالشظايا الشفافة الصغيرة طارت واحدة منها واستقرت فوق خدها تركتها فى مكانها ولم تمسحها نفاقا له وسمعته ص 39 يقول انصرفت من مكتبك أمس قبل الموعد الرسمى المحدد بثلاث ساعات ونصف"ص40
وأظهرت أن المثل القائل خذوهم بالصوت كى لا يغلبوكم يفيد فى العمل عندما يريد المدير معاقبة من تحته فعندما يعلو صوت الموظف حتى لو كان مخطىء على مديره فالمدير يضطر لعدم عقابه خوفا على هيبته من السقوط أمام باقى الموظفين وهو ما تعبر عنه الفقرة :
"لم تدر فؤاده كيف انقلب المشهد بهذه السرعة فأصبحت هى الغاضبة وهى صاحبة الحق فى الغضب وأصبح مدير القسم فى حالة أقرب إلى الخوف منها إلى الدهشة وضاعت من عينيه تلك النظرة الشرسة التى يصوبها إلى مرءوسته وحلت محلها نظرة مستأنسة بل ومتهيبة " ص41
كما بينت أن الموظف عليه أن يقهر مديره بطلبه أن يعمل عمله الذى لا يعمله لأنه يعرف أنه لا يوجد عمل من الأساس فى الفقرة :
"وخطرت ببالها فكرة ظنت أنها لم تخطر ببال أحد وأحست بفرحة سرية أخفت معالمها عن مدير القسم ولم تعرف لماذا أو كيف فتحت فمها فجأة وقالت لمدير القسم بصوت مسموع إننى أعمل فى قسم الأبحاث منذ ست سنوات وأعتقد أن من حقى أن أقوم ببحث منذ اليوم"ص40
واعترفت على لسان الموظفة فى النهاية أن حلمها وحلم أمها فى الاكتشاف خاب وخسر فى ظل العمل الحكومى فى الفقرة التالية:
"فقد تذكرت صوت أمها وهى تقول ربنا يفتح عليك يا فؤاده يا بنتى وتخترعين اختراعا عظيما فى الكيمياء ورأت الزرقة لها مسام مسدودة والسحب البيضاء تزحف فوقها بحركتها نفسها اللامبالية وأطرقت رأسها إلى الأرض وهمست لنفسها بصوت لم يسمعه أحد ظنونك خابت يا أمى وارتطمت دعواتك بسماء مصمتة "ص17
ووضحت نوال أن العمل الحكومى هو عمل ورقى غالبا فالتقارير السنوية تعطى على غير عمل بقولها:
"ونهضت واقفة كان رأسها قد سخن ونظرت فى عينيه المهزوزتين نظرة ثابتة وقالت أنا لست من هذا النوع يا أستاذ ساعاتى إننى أريد أن أعمل أريد أن أقوم بأبحاث كيماوية إننى أدفع عمرى من أجل أن أعمل بحثا وسكتت لحظة وابتلعت ريقها وقالت إننى أكره الوزارة أمقتها لأننى لا أعمل فيها شيئا لا أدرى كيف تكون تقاريرى ممتازة وأنا لم أعمل شيئا منذ ست سنوات لن أذهب إلى الهيئة ولن اذهب إلى الوزارة سأقدم استقالتى وأتفرغ لمعملى "ص93
بالقطع ما قالته نوال صحيح فالعمل الحكومى وغير الحكومى معظمه عمل مكتبى لا يعمل فيه الناس شىء مفيد غير كتابة الأوراق ومن يعمل بجد واجتهاد يعاقب حتى قال الموظفون مثلا شائعا هو اعمل كثيرا تغلط كثيرا تأخذ جزاء كثيرا لا تعمل لا تأخذ أى جزاء ومن المضحك فى حياتى أننى فى أول عملى كمعلم وقبل مرور ستة شهور على التعيين كنت أعمل هذا الكثير وجاء موجه القسم وسألنى أسئلة لا علاقة لها بالعمل فى الفصل مثل كم ولد فى الفصل كم بنت فى الفصل كم عدد حصص القراءة كم عدد حصص المحفوظات كم عدد حصص الحساب ما علاقة الشرح وإفهام التلاميذ بتلك الأسئلة ؟ أمر أخرجنى عن رحابة الصدر فتركت له الفصل وقام بالتحقيق معى وسببت له كل الأخطاء والحكومة فما كان منه إلا أن قال لى إن شاء الله ستكون عند أمن الدولة على يدى وعندما جاء الناظر فى اليوم التالى وعرف الموضوع قعد معه حتى أخذ التحقيق منه ثم سبه بأمه وقال له سأقطعك لو شاهدتك مرة أخرى فى المدرسة وبالفعل انتقل من القسم الذى كانت المدرسة فى نطاقه
من العمل الحكومى تعلمت الكذب والتزوير ليس كذبا ولا تزويرا مما يضر أحد وإنما كذب وتزوير لكى يمكن أن يسير العمل بلا مشاكل فالحكومة تضع بنودا للإنفاق لا يمكن أن تتخطاها ويتم الالتفاف عليها لكى يسير العمل فمثلا كانت أنبوبة الغاز فى الاقتصاد تحتاج لإعادة تعبئتها ولا يوجد مدرسة للمادة حتى يمكن الصرف من البند فتم تعبئتها على حساب المجال الصناعى وكتبت الفاتورة بشىء يخص المجال الصناعى وليس الاقتصاد وبسبب هذه الفاتورة تم عمل قضية فى النيابة الإدارية ذهب فيها أربعة موظفين معطلين العمل فى أماكنهم ولم يكن سبب عمل القضية الالتفاف على القانون وإنما كان السبب أن دفتر تقييد الفواتير قد انتهى وطلبت المدرسة دفترا أخر لم يتم إحضاره إلا بعد ثلاثة شهور ومن ثم فالمدرسة تربحت من الخمسة جنيهات طوال الثلاث شهور وانتهت القضية بالنسبة للمدرسة على خير واتضح أن من حول المدرسة للنيابة الإدارية هو المخطىء فضاعت الأموال فى المواصلات وفى أوراق القضية وفى ترك العمل وهذا الالتفاف هو ما عبر عنه المثل الوظيفى الأخر"الحكومة تقول لك جامعنى ولا ترينى ذكرك"
هذا بالفعل ما تعلمه لك الحكومات الجاهلة عندما يكون من يشرعون اللوائح جهلة ولا يفهمون شىء تتعلم ألا تعمل وإن كنت مجدا مجتهدا تتعلم الكذب وتتعلم النفاق أو دفع الرشوة إن كنت تريد أن تخرق قوانين العمل بالخروج المبكر أو لا تحضر للعمل كى تعمل فى شىء أخر
ووضحت نوال أن الفساد متغلغل الجذور فى البلد بحيث أن البرىء فى النهاية يضطر للاشتراك فيه وهو ما تشير له الفقرات التالية:
"وارتجت العتامة فوق عينيه الجاحظتين وقال ألا زلت فى هذه المرحلة الأولى وقال ماذا تعنى قال وهو يتنهد كنت أعيش هذه المرحلة منذ عشرين سنة وسكت لحظة ثم قال ولكننى اكتشفت أن الحياة الواقعية شىء أخر وقالت ماذا تعنى قال وهو يبتسم ابتسامة ضيقة كانت ص110 المبادىء الرفيعة تضعنى دائنا فى صدام مع الحياة الواقعية وقالوا عنى غير متكيف وسألت من هم قال زملائى فى الجامعة وقالت هل كنت فى الجامعة قال كنت مدرسا صاحب مبدأ "ص11
وأيضا:
"وسألت وماذا حدث وضحك ضحكة قصيرة ثم قال تكيفت والتفت ناحيتها وثبتت عيناه الجاحظتان لحظة وقال لم يكن أمامى طريق أخر وسألت هل أجريت بحثا وأنت فى الجامعة قال أجريت73 بحثا وصاحت فى دهشة 73 بحثا كيف هذا مستحيل وقال وهو يمصمص شفتيه كان شيئا بسيطا جدا كنت أضع اسمى فحسب وسألت فى ذهول والباحث الحقيقى قال كان شابا صغيرا لا يزال يسعى للوصول"ص111
وبينت الحكاية أن النتيجة الثانية لعدم مشاركة البرىء فى الفساد هى إفساد حياته ودفعه للجنون بإحداث المصائب له كما حدث مع حسنين أفندى فى الفقرة التالية:
"وواصل كلامه حسنين أفندى كان زميلى فى الجامعة وكان يؤمن بأن فى رأسه فكرة جديدة وبدأ يجرى بحثا علميا كان يشترى أنابيب الاختبار من مرتبه الصغير وكان يسافر هنا وهناك ليجمع المواد ثم ماذا حدث وسألت فى شرود ومصمص شفتيه وقال سبقه زملاؤه فى تسجيل بحوث شكلية من أجل الترقية وحاربه الأساتذة الكبار لأنه رفض أن يبيع اسمه لأحد ثم فصلوه بتهمة ملفقة وهزت رأسها لا يمكن وقال بهدوء قابلته منذ شهور فى الشارع كان ينظر أمامه فى ذهول ولم يعرفنى وابتسم كاشفا عن أسنانه الصفراء ورأيت طرف إصبعه يطل من حذائه كان شيئا مؤلما جدا هل يحترم أحد حسنين أفندى وصاحت أنا أحترمه "ص113
ووضحت أن الفساد أقوى لدرجة أن لا أحد يستطيع أن يحل كل مشاكل البؤساء وهو ما عبرت عنه الفقرة التالية:
"كان الساعاتى يتأملها طول الوقت ولما رآها تجلس جلس هو الأخر على كرسى غير بعيد عنها وقال وهو يبتسم يبدو أنك تتألمين من أجل المرأة وتنهدت وقالت إنها بائسة وتذبذبت العينان الجاحظتان وهو يقول ما أكثر البؤساء الذين سترينهم هنا ص92فى معملك ولكنك لن تستطيعى أن تفعلى لهم شيئا ورفع إصبعه إلى فوق قائلا لهم رب وردت قائلة بشىء من الضيق أوجد الرب ليمسح الناس فيه أخطاءهم لم تعرف كيف قالت هذه الجملة فهى ليست جملتها إنها جملة فريد كانت تسمعها منه كثيرا"ص93
وأما الغائب وهو عنوان الحكاية فيبدو أن نوال اختارت للغائب اسم هو فريد ولا نستطيع أن نسألها حاليا بعد موتها ولكن التخمين أنه دليل على أنه إنسان وحيد من نوعه يرشد ويعلم ويحس الغير معه بالأمان
فريد الغائب هو حبيب فؤاده أو بالأحرى عشيقها وفؤاده بطلة الرواية والتى تدور حولها وحول بحثها عن فريد بعد أن فقدته دون معرفة السبب وتظل تبحث عنه حينا وتظن فيه السوء أحيانا أخرى وتنشغل به فى أحيانا أخرى من خلال نظرها فى وجوه الناس كما تعبر الفقرات التالية عن هذا :
البحث عنه فى أماكن وجوده فى الفقرة التالية:
"لم تكن تعرف إلى أين تسرع كانت تعرف أنها تفر من المطعم ومن البيت ومن شارع النيل ومن كل تلك الأماكن التى تذكرها بفريد كانت الأمكنة متواطئة معه تخفى غياله وتؤكد وجوده الأمكنة أيضا تنافق كما ينافق الموظفون وأسرعت الخطى لتخرج من شارع النيل ولتبحث عن مكان محايد لم ير فريد ولم يعرفه ولم يكون معه متواطئا "ص24
وأيضا فى بيته:
"ورأت البواب الأسمر جالسا على دكته فى مدخل السلم وكانت على وشك أن تسأله عن فريد لكنها تجاهلت نظرته الفاحصة المستطلعة الخاصة بكل البوابين لأنه يعرفها وقد رآها مرات ومرات تصعد إلى شقة فريد لكنه كان دائما وفى كل مرة يصوب إليها النظرة نفسها الفاحصة المستطلعة وكأنه لا يعترف بكل تلك العلاقة بينها وبين فريد وصعدت السلم فى نفس والحد ثم وقفت تلهث أمام الباب الخشبى ذى اللون البنى القاتم ... ولم تخطفه السماء ودق قلبها بعنف وفكرت فى أن تعود بسرعة قبل أن يراها لقد أخلف الموعد عن عمد لا عن عجز ولم يطلبها فى التليفون بعد كل ذلك ليشرح السبب وكان يمكن أن تستدير وتعود لكنها لم تر النور من خلال زجاج الشراعة كانت الشقة مظلمة تماما ربما يكون فى حجرة النوم يقرأ ونور حجرة النوم لا يصل بشراعة الباب "ص31
وتخيل رؤيته فى الطريق كما فى الفقرة:
"ورفعت عينيها لتتأمل الطريق لكن قلبها دق بعنف فقد رأت رجلا له مشية فريد مقبلا من بعيد وأسرعت الخطى لتقترب منه كان يميل بكتفيه إلى الإمام قليلا وبمقل قدميه فوق الأرض ببطء يشبه الحذر حركات فريد نفسها واقتربا أكثر وأكثر إنه يحرك ذراعيه بهذا الشكل الملحوظ وفريد لم يكن يحرك ذراعيه ..وأصبح على بعد خطوات منها وفتحت فمها لتهتف فريد لكن نور عربة مارة أزاح الظلام عن وجه أخر غير وجه فريد وغاص قلبها فى بطنها كقطعة من حديد"ص34
وتكرار الاتصال به على أمل وجوده من خلال الهاتف كما فى الفقرة:
"ومدت يدها إلى التليفون ووضعت إصبعها فى القرص وأدارته الخمس دورات المعهودة وجاءها الجرس فأسندت ظهرها إلى مسند السرير استعدادا لعتاب طويل وظل الجرس يرن ونظرت إلى الساعة كانت12 فريد لا يخرج من البيت قبل الواحدة أو الثانية ربما يكون فى حجرة النوم يقرأ فى السرير أو بين حجرة النوم وحجرة المكتب..........وكانت السماعة ما تزال ملتصقة بأذنها والجرس الحاد يرن فيها رنينا عاليا وخطرت لها فكرة فوضعت السماعة لحظة ثم رفعتها وعادت تطلب الرقم من جديد وتأكدت أنها تضع إصبعها فى الثقب الصحيح وما إن توقف القرص بعد الدورة الخامسة حتى انطلق الجرس فى أذنها كالقذيفة وظلت ممسكة بالسماعة إلى جوار أذنها فترة طويلة تكفى لخروج أى شخص من الحمام وخطرت لها فكرة أخرى فوضعت السماعة لحظة ثم رفعتها وطلبت الدليل وسألت عما إذا كان هناك عطل فى التليفون ورد عليها الصوت الناعم الممطوط بعد لحظة يقول التليفون سليم معك الجرس"ص20
ونجد فؤاده تحلل شخصية فريد بقلب المحب الذى لا يرى فى محبه أى عيب فالرجل كاتب باحث قارىء لا يكذب ويقول الحقيقة ولو كانت مرة وهو ما تعبر عنه الفقرة :
"وكان فريد مشغولا دائما يقضى الساعات مع كتبه وأوراقه قد يقرأ وقد يكتب أشياء يضعها بعناية فى درج المكتب ويغلق الدرج بالمفتاح وكان يخرج كل يوم ويتأخر ليلا وقد يقضى بعض الليالى خارج البيت ولم تكن تسأله أين يذهب لم تحب أن تقوم بدور الزوجة المستجوبة بل لم تحب أن تقوم بدور الزوجة على الإطلاق كانت تعشق حريتها وتعشق حجرتها الخاصة .. لكن فريد كان محور حياتها كانت تبتلع أيامها كجرعة من زيت الخروع ثم يهل يوم الثلاثاء بإشراقته العجيبة يوم الثلاثاء هو موعدها مع فريد كل ثلاثاء فى الثامنة مساء فى ذلك المطعم الصغير إن كان الجو دافئا أو فى بيته فى ليالى الشتاء القارصة كم شتاء مر على علاقتهما إنها لا تعرف تماما ولكنها تعلم أنها تعرف فريد من زمن بعيد .. لم يخلف الموعد مرة واحدة ولم يكذب مرة واحدة ربما أخفى عنها أشياء لكنه لم يكذب حتى حينما جاءت سيرة الزواج من حيث لا يدريان قال لها وهو ينظر إليها بعينيه البنيتين اللامعتين لن أستطيع الزواج لفترة من الزمن لو قالها رجل أحر فربما أحست بالشك فيه أو بطعنة فى كرامتها لكن فريد كان مختلفا وكان كل شىء يصبح معه مختلفا" ص21
وهى تعتبره مختلفا عن الناس فى الفقرة :
"ما الغريب فى أن يكذب أى أحد ولكن فريد لم يكن أى أحد كان مختلفا كان مختلفا عن الآخرين وكيف كان مختلفا إنها لا تعرف تماما ولكن كان هناك شىء ما فى عينيه يجعلها تحس أنه مختلف نعم كان هناك شىء فى عينيه يجعلها تحس أنه مختلف نعم كان شىء فى عينيه لا تراه فى عيون الرجال شىء ما يلمع ويطل من عينيه البنيتين"ص6
وكغالبية المحبين يلتمسون الأعذار لمن يحبون عند وجود شىء مريب وهو ما تعبر عنه الفقرة التالية:
"وهى لا تعرف ما العلاقة بين السماء وفريد ولكنها تعرف أن هناك علاقة ما بينهما ربما لأنها تكون موجودة دائما حسن يكون فريد موجودا أو لأنها تكون موجودة أيضا حين يغيب وفريد لم يأت أمس إلى الموعد أول مرة يخلف الموعد ولم يتكلم فى التليفون ما الذى حدث ؟ص14
بطلنا الغائب هو مناضل فيما يبدو يقول الحكم ويبدو صادقا فى تحليلاته واستنتاجاته وفى نهاية الحكاية تعرف فؤاده السبب فى اختفاء فريد وهو قبض السلطة عليه لأنه يريد العدل ويحرض الناس على فعله وهو ما يدل عليه خطاب فريد فى نهاية الحكاية:
"وقلبت الخطاب على ظهره وبطنه وتفقدت زواياه وأطرافه لم يكن عليه إلا اسمها والعنوان وقربته من أنفها وشمت الرائحة المميزة للورق وحتم البريد وفتحت الخطاب وسحبت ورقة طويلة شفافة تملؤها السطور فؤاده كم يوم مضى منذ لقائنا الأخير منذ تلك الليلة المحملة بأول ريح الشتاء كنت تجلسين أمامى ومن خلفك النسل.. وقلت لى بعد صمت طويل ما رأيك يا فريد سأترك الوزارة كنت أفهمك...ص129كان دورك هو أن تصنعى شيئا جديدا لو أعطيت الفرصة وكان دورى هو أن أصنع الفرصة بصنع الناس الجديد وما الجديد إنه تغيير القديم وماذا يصنع التغيير أليس هو التفكير ...كان دورك أن تصنعى الفكرة وكان دورى ان اصنع النطق ولك اكن استطيع وحدى شيئا ...أجل لم أكن واحدا كان معى أخرون لم نملك إلا ذلك الدور البسيط الخطير تلك الكلمات البسيطة التى ولدت مع اول إنسان ...ص130ولم أصل على البيت كان هناك رجل يتعقبنى بل كانوا كثيرين مسلحين ولم يكن معى شىء تذكرين كنت أرتدى القمسص البنى والبنطلون وفتشوا جيوبى ولم يجدوا شيئا وهل توضع الكلمات فى الجيوب وأمسكوا بى ووضعونى فى الحديد لكن الكلمات حملها الهواء فهل يمسكون الهواء ويضعونه فى الحديد الجدران من حولى لكنك معى أحس يدك الصغيرة الناعمة على وجهى وأرى عينيك الخضراوين فى عينى يطل منهما الشىء الجديد الحبيس يريد ان ينطق ولا يستطيع لا تحزنى يا فؤاده ولا تبكى فالكلمات فى الهواء خارج الجدران تعيش وتدخل مع الهواء إلى الصدور وسيأتى حتما يوم تسقط فيه الكمامات وتنطق الأفواه من جديد فريد"ص131
الرواية تبدو خالية عمدا من أى شىء يذكرنا بالله ودينه فطوال مائة وثلاثة وثلاثين صفحة هى طول الرواية لا نجد كلمة الله سوى مرة واحدة وهى لا تأتى على لسان الأبطال وإنما على لسان أم فؤاده ومرة كلمة رب فى قول الساعاتى لهم رب ولا نجد تعبير أخر سوى واحد عن صلاة الأم
اللغة المستخدمة فى الرواية هى لغة غالبا يستعملها المشتغلون بالعلم ونوال هى طبيبة بشرية فى الأساس ومن ثم نجدها تكرر الجمل التى تعبر عن العلم العملى والذى هو مهنة فؤاده الباحثة الكيمائية مثل:
"وفركت عينيها وهى لا تفهم سبب هذا الانقباض فالشمس ساطعة ككل يوم يوم ينفذ ضؤوها اللامع من خلال زجاج النافذة....وترتعش كقراميط صغيرة من السمك "ص4
نجد هنا نفاذ الضوء من زجاج النافذة وارتعاش القراميط وفى الفقرة :
"ورأت الدائرتين البيضاوين الواسعتين تعوم داخلهما الدائرتان الخضروان كلا منهما تلك الحبة السوداء الصغيرة عينان كأى عينين كعينى الخروف أو البقرة أو الأرنب"ص6
نجد المساواة بين عيون البشر والحيوانات وفى العبارة :
"فريد غاب لسبب كل شىء يحدث فى الحياة لسبب الأشياء التى ظنت يوما أنها حدثت بغير سبب اتضح سببها بعد حين"ص14
نجد قانون السببية و فى وصف مرض فؤاده قالت:
"تأكل وتشرب وتنتفخ نعم كانت تنتفخ كل يوم وتضغط لجسمها الصلب على معدتها التى كثيرا ما حاولت أن تلفظها فتنقبض عضلاتها وتنبسط وقد تفرغ كل ما فى جوفها لكن الكتلة الصلبة المدببة تبقى تحك بجدار معدتها كدلوس ملتصقة به قابضة عليه بأسنانها كدودة شريطية "ص7
نجد هنا انتفاخ المعدة وتقلص العضلات والدود الشريطية وفى الفقرة الآتية تصف ما يجرى فى معمل التحليل :
"كانت عيناها تتبعان باهتمام تلك الحركة الغريبة داخل أنبوبة الاختبار وتلك الألوان التى تختفى فجأة وتظهر فجأة والأبخرة ذات الروائح الغريبة والراسب المتخلف فى القاع مادة جديدة هى نتاج تفاعل كيمائى لمادتين مختلفتين لها صفات جديدة ولها شكل جديد وبها إشعاع جديد ... وصرخت ضيعت اكتشافى ... وكان يمكن أن تصرفها نهائيا عن فكرة الاكتشاف الملحة "ص27
كما نجد التعبيرات الشهوانية التى تدس فيها العلوم مثل ما جاء فى الفقرة:
"فهى رائحة لا يألفها الأنف ولا يعرف كيف يردها إلى مصدرها فليس لها مصدر واحد ليس هو الزوايا المنفرجة تحت الإبط وليس هو الكهوف المظلمة اللاهثة وليس هو القشرة المش الخشنة يلتصق بها الشعر اللزج "ص8
فهنا زوايا منفرجة للإبط والقشرة الخشنة الشعر اللزجة كما نجد فى العبارة التالية:
"واستباحت عيون الرجال أعضاء جسمها كما يستبيحون أعضاء المومسات .... وانقضت لحظة لم تعرف مداها من الانضغاط العنيف كورقة شجرة أو فراشة توضع بين الكتب من أجل التحنيط ثم أحست بالضغط يزول فجأة وإذا بجسمها يطير فى الهواء كريشة حمامة ثم يرتطم بالأرض كقالب الطوب"ص9
علم التحنيط لورق الشجر والفراش بالضغط والطيران والارتطام بالأرض
وتتناول نوال بعض المسائل العلمية من وجهة نظر فلسفية فهى تتحدث عما يحدث فى اللحظة فتقول:
"من يدرى ماذا يمكن أن يحدث بين لحظة وأخرى أشياء كثيرة تحدث فى الحياة بين لحظة وأخرى آلاف يموتون وآلاف يولدون براكين تنفجر وتبتلع البيوت زلازل أرضية تحدث وتدك المدن أشياء كثيرة تحدث بين لحظة وأخرى أكثر مما يتخيله الناس فالناس لا تتخيل إلا ما تعرفه وتفهم معناه وهل تعرف الناس ما معنى أن ينطلق صاروخ بين لحظة وأخرى ليس صاروخا عاديا ولكنه صاروخ له رأس نووية هل يمكن أن يتخيل الناس ماذا يمكن أن تكون الرأس النووية......."ص10
هنا تعبر عن اللحظة الكونية وليس عن لحظة الإنسان التى تخص ما يعرفه فى تلك اللحظة
وهى تتناول الحسد فتقول:
"وأطبقت شفتيها وزمتهما لتذرد ريقها إنها شىء هام وليست مثلها متعطلة تتسكع فى الشارع بغير هدف وأحست أنها تحسدها نعم أن الحسد هى الكلمة التى يمكن أن تصف شعورها فى تلك اللحظة وهى لا تعرف معنى كلمة الحسد ورثتها كما ورثت أنفها وذراعيها وعينيها وهى تعرف أن الحسد عمل خارجى "ص16
بالقطع نحن نرث القاموس الثقافى للعصر الذى نحياه كما تناولت النوم وأنه لا ينفع فى فهم النوم شىء فقالت:
"كانت فى أى ليلة سابقة تضع رأسها فوق الوسادة ولا تسمع شيئا وما هى إلا لحظات حتى تنام كيف كانت تنام حاولت أن تعرف كيف كانت تنام كل ليلة لكنها اكتشفت فجأة أنها لا تعرف تماما كيف كانت تنام كان جسمها يثقل وكأنه يسقط فى بئر ثم تفقد الوعى وتذكرت أنها حاولت مرة أو ربما مرتين أن تعرف كيف تفقد الوعى فى النوم ففتحت عينيها قبل أن يتلاشى وجودها وتشبثت بقوة أخر لحظة فى وعيها لتعرف ماذا يحدث لها لكن النوم كان يغلبها دائما قبل أن تعرف إنها لم تعرف شيئا إنها لا تعرف أبسط الأشياء لا تعرف البديهيات ولا تتعلم من التكرار كم ليلة نامتها فى كل عمرها عمرها الآن 30 عاما وكل عام265 يوما لقد نامت 10950 ليلة دون أن تعرف كيف تنام ص36
ونجدها تناقش فكرة الزمن نقاشا علميا فتقول:
"كانت تفكر باندهاش فى الطريقة التى يعيش بها الناس الزمن وكيف لا يتفق الإحساس بالزمن أحيانا مع عدد الساعات أو الدقائق التى مرت وهل يمكن أن تكون تلك الحركة الثابتة المتتابعة لعقربى الساعة داخل تلك الدائرة الضيقة المحدودة مقياسا حقيقيا للزمن فكيف يمكن إذن ان يقاس شىء غير مرئى وغير محدود بشىء مرئى محدود وكيف نقيس شيئا لا نراه ولا نحسه ولا نلمسه ولا نذوقه ولا نشمه ولا نسمعه كيف يمكن أن نقيس شيئا غير موجود بشىء موجود "ص40
كما نجد أنها تتكلم عن الحزن كلاما ينتقد المجتمع الذى يزعم الحزن ومع هذا يفعل عند الحزن أفعال الفرح من لبس الجديد وإن كان اسود وعمل الذبائح والولائم كما تنتقد الصراخ العالى فتقول:
" هل هناك حزن أشد من هذا الحزن وما هو الحزن كيف يحزن الناس صراخ عال يجلو الصوت ويفرج عن الكبت ملابس سوداء جديدة تنعش جدتها الجسم ولائم وذبائح تفتح الشهية وتملأ البطن أهناك أم ماتت وحظيت بأكثر من هذا الحزن هل خلفت أم ابنة من بعدها تتجرع السم أهناك وفاء للأمومة أكثر من هذا الوفاء أهناك سداد لديون البنوة أكثر من هذا السداد "ص128
كما أنها تنتقد النساء اللاتى يهتممن باللبس ووضع المساحيق على الوجوه وتبين أن هذا هو إضرار بالجلد فتقول:
"ماذا تفعل امرأة بالمال فى هذه الدنيا غير شراء الفساتين تشترى أدوات الزينة وعلب البودرة ذلك المسحوق الأبيض الذى تدهن به المرأة وجهها وتخفى تلك الشعيرات الدموية التى تجرى فى البشرة الحية وماذا يبقى للبشرة الحية بعد أن يختفى منها لون الدم"ص100
وتناولت بحث المفكر الحق عن علاج أمراض مجتمعه فى الفقرة التالية:
"ولماذا القتل ألا يكون شيئا أخر له فائدة شيئا يقضى على الجوع على المرض على الشقاء على الظلم على الاستغلال نعم نعم أيها الرأس المصمت ردد الكلمات التى سمعتها من فريد ردد الصدى كأى جدار ماذا تعرف أنت عن الجوع ماذا تعرف أنت عن المرض ماذا تعرف أنت عن الشقاء ماذا تعرف أنت عن الظلم ماذا تعرف أنت عن الاستغلال ماذا تعرف أنت عن الناس وأنت لا تعيش مع الناس "ص106
وأيضا فى الفقرة التالية:
"منذ متى لم ترقص رقصة الخلاص من سياج العقل منذ متى لم تسمع تيوردوراكس السجين منى متى قال كازانزاكس لا ينقض إلا الجنون لكن فريد كان يقاوم الجنون كان يقول جنون فرد واحد معناه الحبس أو الموت ولكنه جنون الملايين وماذا يصنع جنون الملايين يا فريد كان يقول المعرفة والجوع الجوع موجود ولا ينقص إلا المعرفة لماذا لا يعرفون يا فريد وكيف يعرفون يا فؤاده وكل شىء من حولهم غما أخرس وإما يكذب؟ ص125
وتناولت فكرة أن إعطاء المحتاج قرش ليس علاجا لمشكلته فى الفقرة التالية:
"ووضعت يدها فى جيبها لتخرج قرشا لكن يدها بقيت داخل جيبها ورفعت عينيها إلى الشارع كانت العربات الطويلة تجرى الواحدة وراء الأخرى وفى كل عربة منها رأس لامع يعكس الضوء ورقبة مكتنزة باللحم كرقبة الساعاتى" ص 105 "ماذا يمكن أن تفعل اكتشاف كيمائى يقضى على الجوع غاز جديد يتنفسه الملايين بدل الأكل وتركت القرش يقع من بين أصابعها فى الكف الفارغة الممدودة لن يفعل القرش شيئا ولكن ليكن صدقة عابرة ترضى بها ضميرها ليكن ثمنا بخسا تدفعه وتنسى إنها كلمات فريد تعود وصوته فى رأسها له دبيب"ص106
كما تناولت فكرة الاحترام فوضحت أن احترام الإنسان لنفسه نابع من داخله وليس من احترام الأخرين له فى الفقرة التالية:
"وقالت ثم ماذا وابتسم طموح الإنسان بلا حدود اتجهت إلى السياسة قالت وماذا تعرف فى السياسة وقال كل شىء يكفى أن أصادق هذا وذاك وأردد بعض الشعارات بنبرة فصيحة ونظرت إلى رقبته المكتنزة باللحم فى تقزز وهل تحترم نفسك الآن وقال بالصوت نفسه كيف يحترم الإنسان نفسه يا فؤاده احترام النفس لا يحدث فى فراغ إنه ينبع من احترام الآخرين وأنا أنا رئيس الهيئة العليا للإنشاءات والمبانى ورئيس المجلس السياسى والصحف تكتب عنى وأتحدث فى الراديو والتلفاز وأعطى نصائحى للناس العالم كله يحترمنى فكيف لا أحترم نفسى "ص112
كما بينت أن كلمة الحب نتيجة تكرارها على الألسنة أصبح معناها مبهما فقال:
"وتكورت كلمة الحب فى فمها كلقمة غير قابلة للمضغ الحب ما معنى كلمة الحب متى سمعتها لأول مرة من فم من إنها لا تذكر تماما فالكلمة لم تغب عن أذنها منذ وعت الحياة كانت تسمعها كثيرا"ًص32
الحكاية لها أربع شخصيات رئيسية هى :
الأولى فؤاده والحكاية تتناول فى الأساس حكاية حياتها
الثانية فريد الغائب الرجل الباحث عن العدل والذى تم القبض عليه بسبب ذلك
الثالثة الأم التى ربت فؤاده واحتضنتها طوال حياتها وتريد لها الخير فى حياتها
الرابعة الساعاتى وهو البرىء الذى فسد ولا يجد سوى أن ينشر الفساد من خلال وصوله لمنصب سياسى غير المنصب الوظيفى
الشخصيات الثلاثة الأخيرة يتم تناولها عرضا من خلال حكاية الشخصية الأولى فؤاده وبالقطع سوف نتناول الحكاية دون تقيد بترتيبها فى حكاية نوال :
تبدأ الحكاية بزواج أم فؤاده من والدها وهى تلميذة فى المدرسة وحرمان الزواج لها من الدراسة وهو ما تشير له الفقرة التالية:
فلم يكن طموحها من ذلك النوع النسوى العادى كانت قبل أن تتزوج قد ذهبت إلى المدرسة وربما قرأت بعض القصص ..لكنها فتحت عينيها ذات صباح فلم تجد مريلة المدرسة كما تركتها فى الليلة السابقة فوق الشماعة وسمعت صوت أبيها الخشن يقول لن تذهبى إلى المدرسة وجرت إلى أمها تبكى وتسأل عن السبب ولم يكن السبب سوى الزوج وكان هذا كافيا لأن تكرهه من أول نظرة وظلت تكرهه حتى مات وبعد أن مات وكانت فؤاده لا تزال فى المدرسة الثانوية قالت لها أمها وهى تسوى شعرها الأسود الناعم أمام المرآة وتتأمل قوامها الممشوق مستقبلك فى المذاكرة يا بنتى الرجل ليس له فائدة" ص18
وفيما بعد ولادة فؤاده بدأت الأم تبث فى ابنتها ضرورة أن تكون مخترعة مكتشفة امرأة لها أهميتها وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"وزحف فى رأسها صوت أمها تقول ستكونين شيئا عظيما مثل مدام كورى وتبعه صوت مدرسة الكيمياء يقول فؤاده شىء أخر غير باقى بنات الفصل وهمس صوت فريد فى أذنها فيك شىء لا يوجد عند الأخريات "ص25
ومن ثم بدأت علامات النبوغ تظهر على البنت فى المدرسة وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"وسألت مدرسة الفصل فى ذلك اليوم أين توجد الجراثيم يا بنات لكن الفصل ظل ساكنا ولم ترفع واحدة من البنات أصبعها وأحست فؤاده أنها تعرف الجواب فرفعت أصبعها إلى أعلى فى ثقة وكبرياء وابتسمت المدرسة لتشجعها وقالت فى رقة هل تعرفين أين تعرفين أين توجد الجراثيم يا فؤاده ونهضت فؤاده واقفة رافعة رأسها فوق البنات وقالت بصوت عال ملىء بالثقة نعم يا أبلة الجراثيم توجد فى مناديل أبى "
وكانت أامها تريد دخولها كلية الطب ولكنها دخلت العلوم نتيجة قلة مجموعها وتخرجت واشتغلت فى إحدى الوزارات كما فى الأقوال :
"كانت أمنية أمها أن تدخل فؤاده كلية الطب ولكنها لم تحصل على مجموع عال فى نهاية المرحلة الثانوية ربما لأنها لم تستذكر كثيرا"ص18وأيضا:
"ربما بعد أن تخرجت من كلية العلوم ربما بعد أن اشتغلت فى الوزارة "ص17
وفى تلك الفترة من العمل تعرفت بفريد وأقامت معه علاقة زنى مستمرة كما تدل العبارة التالية:
"رائحة الياسمين كان لها معنى لقائها مع فريد وكان لها ملمس قبلاته فوق عنها ولكنها الآن تعنى غيابه"ص22
ونتيجة عدم وجود عمل حقيقى لفؤاده فى الوزارة قررت ترك عملها الحكومى لتفتح معملا للتحاليل كما تشير الفقرة:
"ولكنها لم تعد موجودة فحسب لقد بدأت تتحرك وتخرج من ركنها المظلم إلى منطقة الضوء واستطاعت فؤاده أن تقرأها نعم لقد كانت مكتوبة بخط عريض واضح فوق واجهة العمارة معمل فؤاده للتحليلات الكيميائية"ص26
وبحثت عن مكان مناسب ووجدته وكان يتطلب مبلغا حصلت عليه فى النهاية من أمها كما تشير الفقرة:
وقالت الأم فى النهاية هذا شىء جميل جدا ليس لى إلا أن أدعو لك بالتوفيق يا ابنتى وقالت فؤاده ولكن الدعوات وحدها لا تكفى يا أمى لا يمكن أن أنشىء معملا كيماويا بالدعوات لابد من مال لشراء الأدوات والأجهزة وقالت الأم وهى تنفض يديها المعروقتين مال من أين المال أنت تعرفين البير وغطاه وقالت فؤاده ولكنك قلت مرة أن عندك ما يقرب من ألف جنيه وقالت الأم وقد اختفت النبرة الضعيفة من صوتها ألف لم يعد هناك ألف ألم نسحب جزء لتبييض الشقة وتجديد العفش هل نسيت ...وقالت الأم وهى تمصمص شفتيها اليابستين لم يبق إلا ثمن كفنى وقالت فؤاده بعيد الشر عنك يا ماما ...لا لا تقولى هذا الكلام "ص48
وفقدت فريد فى أثناء تلك الفترة وهو ما تشير له الفقرة:
"وعرفت سبب ذلك الانقباض الذى جثم فوق صدرها فإن فريد لم يأت فى الموعد الذى اتفقا عليه ليلة أمس"ص5
وفى تلك الفترة تعرفت بصاحب العمارة التى فيها المعمل وهو الساعاتى الذى كان يرغب فى زواجها وقدم لها هدية خاتم من الماس وعرض عليها نقلها لهيئة المبانى التى يرأسها وهو ما تشير له الفقرة التالية:
"ونهضت واقفة كان رأسها قد سخن ونظرت فى عينيه المهزوزتين نظرة ثابتة وقالت أنا لست من هذا النوع يا أستاذ ساعاتى إننى أريد أن أعمل أريد أن أقوم بأبحاث كيماوية إننى أدفع عمرى من أجل أن أعمل بحثا وسكتت لحظة وابتلعت ريقها وقالت إننى أكره الوزارة أمقتها لأننى لا أعمل فيها شيئا لا أدرى كيف تكون تقاريرى ممتازة وأنا لم أعمل شيئا منذ ست سنوات لن أذهب على الهيئة ولن اذهب إلى الوزارة سأقدم استقالتى وأتفرغ لمعملى "ص93
وأيضا :
"ونهض وفتح العلبة بنفسه وسار إليها حيث هى واقفة وقرب منها العلبة وهو يقول ما رأيك فى هذا الخاتم ...إن فيه فصا من الماس الحر واقترب وجهه منها ورأت عينيه الجاحظتين عن قرب يطفو فوقهما غشاء معتم يخفى ذلك البريق الطبيعى للعينين ...إنها لا تستخدم هذه الأشياء لا تلبس الخواتم أو الأساور أو العقود إنها تضيق بجلدها الذى يلتف حول جسمها فكيف تلف حول أعضائها حبلا أخر؟.. ماس حر لن تستخدمه فى شىء فما الفرق بينه وبيت قطعة عاج أو زجاج هل يفرق التراب بين اى شىء "ص109
ورغم أنها كانت تحاول إخباره أنها لا تريد الزواج منه فقد كان يكرر محاولاته بعرض المال وغيره عليها كما تشير الفقرة التالية:
"وتذكرت قول الساعاتى عن أى شىء تبحثين هل هناك شىء تريدينه ليس موجود فى كل هذه الدنيا ؟إنها لا تريد مالا وماذا تفعل بالمال ماذا تفعل المرأة بالمال فى هذه الدنيا تشترى فساتين غالية كثيرة ولكن ما فائدة الفساتين الكثيرة الغالية إنها لا تذكر شكل فساتينها لا تذكر أن فريد نظر إلى فستانها مرة واحدة لم تحس يوما أن فستانها له قيمة ما سوى أنه يغطى أجزاء من جسمها وماذا غير الفساتين ماذا تفعل امرأة بالمال فى هذه الدنيا غير شراء الفساتين تشترى أدوات الزينة وعلب البودرة ذلك المسحوق الأبيض الذى تدهن به المرأة وجهها وتخفى تلك الشعيرات الدموية التى تجرى فى البشرة الحية وماذا يبقى للبشرة الحية بعد أن يختفى منها لون الدم ...ولكنها لا تريد شيئا من هذا إنها لا تشترى مساحيق ولا تذهب إلى السينما وليس لها صديقات ولا تسعى وراء زواج فما الذى تريده "ص100
حاول أن يفهمها كما تشير الفقرة:
"سارت بهما السيارة الزرقاء الطويلة فى شوارع القاهرة وظلا صامتين حتى خرجت السيارة إلى الخلاء بالقرب من الهرم ثم سمعته يقول بصوت غليظ فى حياتك سر لا أفهمه لماذا لا تفتحين قلبك لى ونظرت إليه نظرة خاطفة ثم مدت بصرها إلى الصحراء الواسعة وقالت لا أعرف بحياتى سرا أو معنى آكل وأنام كأى حيوان ولا أفعل شيئا مفيدا لأحد "ص110
ومع هذا الرفض الداخلى لزواجه ونتيجة عدم معرفتها بمصير فريد تركت نفسها له مرتين دون مقاومة له سوى رفضها النفسى كانت إحداهما يوم موت أمها وهو ما تشير له الفقرات:
"وبدأت تتذكر لشىء من الوضوح كانت واقفة فى الصحراء تحملق فى الفضاء وأحست بالساعاتى خلفه وحوط ذراعي حول خصرها وأصبحت عيناه تقتربان وتتسعان وتزدادان جحوظا وأحست شفتيه الباردتين فوق شفتيها وأسنانه الكبيرة تصطك بأسنانها وملأ أنفها رائحة معدنية غريبة كرائحة الحديد الصدىء وملأ فمها لعابا مرا لاسعا نعم كانت ترى وتحس لكنها لم تكن رؤية واضحة ولم يكن إحساسا أكيدا كان كالحلم الكئيب وحاولت أن ترفع ذراعها وتصفعه لكن ذراعها لم تكن ترتفع"ص115
وأيضا:
"وأحست الكف السمينة الطرية فوق صدرها وشمت رائحة الحديد الصدىء وذاقت طعم اللعاب اللاسع المر وتحولت الكف الطرية إلى أصابع غليظة ترتعش لم تكن رعشة ثابتة فى مكانها لكنها رعشة هابطة على أسفل على بطنها وفخذيها ... وكان بطنه المرتفع يعلو ويهبط مع أنفاسه المتقطعة ...وزحفت فوق جسدها برودة ثقيلة غريبة برودة لم يعرفها جسمها من قبل سوى مرة واحدة ...وأمسك الطبيب إبرة حادة طويلة وغرزها فى ذراعها وسرت فى جسمها تلك البرودة الثقيلة"ص126
وفى نهايبة الحكاية علمت بما حدث لفريد من القبض عليه ووجوده فى السجن من خلال الخطاب الذى أرسله لها :
وقلبت الخطاب على ظهره وبطنه وتفقدت زواياه وأطرافه لم يكن عليه إلا اسمها والعنوان وقربته من أنفها وشمت الرائحة المميزة للورق وحتم البريد وفتحت الخطاب وسحبت ورقة طويلة شفافة تملؤها السطور فؤاده كم يوم مضى منذ لقائنا الأخير منذ تلك الليلة المحملة بأول ريح الشتاء كنت تجلسين أمامى ومن خلفك النسل.. وقلت لى بعد صمت طويل ما رأيك يا فريد سأترك الوزارة كنت أفهمك...ص129كان دورك هو أن تصنعى شيئا جديدا لو أعطيت الفرصة وكان دورى هو أن أصنع الفرصة بصنع الناس الجديد وما الجديد إنه تغيير القديم وماذا يصنع التغيير أليس هو التفكير ...كان دورك أن تصنعى الفكرة وكان دورى ان اصنع النطق ولك اكن استطيع وحدى شيئا ...أجل لم أكن واحدا كان معى أخرون لم نملك إلا ذلك الدور البسيط الخطير تلك الكلمات البسيطة التى ولدت مع اول إنسان ...ص130ولم أصل على البيت كان هناك رجل يتعقبنى بل كانوا كثيرين مسلحين ولم يكن معى شىء تذكرين كنت أرتدى القمسص البنى والبنطلون وفتشوا جيوبى ولم يجدوا شيئا وهل توضع الكلمات فى الجيوب وأمسكوا بى ووضعونى فى الحديد لكن الكلمات حملها الهواء فهل يمسكون الهواء ويضعونه فى الحديد الجدران من حولى لكنك معى أحس يدك الصغيرة الناعمة على وجهى وأرى عينيك الخضراوين فى عينى يطل منهما الشىء الجديد الحبيس يريد ان ينطق ولا يستطيع لا تحزنى يا فؤاده ولا تبكى فالكلمات فى الهواء خارج الجدران تعيش وتدخل مع الهواء إلى الصدور وسيأتى حتما يوم تسقط فيه الكمامات وتنطق الأفواه من جديد فريد"ص131

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع