دكتور عمرو الليثي يكتب دع الخلق للخالق

[على الشامى]

ما الذى يدفع إنسانا لأن يقرر أن يتخلص من حياته؟ وهل هذا من ضعف الإيمان، أم من قلة الحيلة، أو من قلة الرزق والفقر الذى يعتبره البعض السبب الرئيسى فى إقدام إنسان على الانتحار؟ وينشغل الناس كثيراً بالحكم على المنتحر، ويطلقون الحكم سريعاً أنه مات كافراً، ويتناسون أن يسألوا أنفسهم السؤال الأهم: ماذا فعلوا هم تجاه هذا الشخص لمساعدته على مواجهة ضغوط الحياة، بدلاً من الحكم عليه حياً وميتاً؟



لقد ذهب رجل إلى الإمام محمد الغزالى- رحمه الله- وقال له: «ما حكم تارك الصلاة؟ قال له الإمام: حكم تارك الصلاة أن تأخذه معك إلى المسجد».. ولم يقل أحد من الفقهاء الأربعة بأن المنتحر كافر. ومما لا شك فيه أن الانتحار إثم عظيم، وذنب كبير، ولقد بيَّن النبى- صلى الله عليه، وسلم- أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به، فعن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن النبى- صلى الله عليه، وسلم- قال: «مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو فى نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه فى يده يتحساه فى نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً».

هذه قوانين وضعها الرسول للردع عن فعل هذا الإثم العظيم. وهناك حادثة حدثت فى المدينة المنورة فى عهد النبى- صلى الله عليه، وسلم- حيث دخلت جنازة المسجد فى وجود النبى، وكان المتوفى منتحراً، فلم يصلِّ عليه الرسول بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله، وليعلموا أنه ذنب عظيم، ولكنه لم يمنع الصلاة عليه. فالمنتحر أمره إلى الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.

أما ما له علينا، فهو أن ندعو له بالرحمة، فنحن لا نعرف ظروفه عند الانتحار، فلا نحكم على أحد، فنحن لسنا قضاة، فيكفى القسوة التى رآها المنتحر قبل موته، والتى دفعته لأن يسلب نفسه أعز ما يملك، وهل يملك الإنسان أعز من روحه.. وليسأل كل فرد منا نفسه: ماذا قدم لأخيه لتيسير أموره فى الحياة؟ وليتذكر كل مسؤول سيدنا عمر بن الخطاب، عندما كان يخرج ليلاً ليتفقد أحوال الرعية بنفسه ليطمئن على رعيته.