إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-26-2009, 08:26 PM
بسمة ناصر بسمة ناصر غير متواجد حالياً
عضو
 

Post المجتمع المدني والقيم الديمقراطية

المجتمع المدني والقيم الديمقراطية

أخطأ البعض في الوطن العربي عندما اتخذوا موقفا سلبيا من الدعوة إلى تقوية المجتمع المدني لأنهم تصوروا أنه يقتصر فقط على تلك المنظمات غير الحكومية التي تأسست حديثا في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وغاب عن هؤلاء أن المجتمع المدني يضم العديد من المنظمات الشعبية والجماهيرية، وأنه قائم في المجتمعات العربية منذ أكثر من مائة سنة مع تأسيس الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية إلى آخر هذه المنظمات التي تدخل في إطار تعريف المجتمع المدني.
والمجتمع المدني هو من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهى علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضى والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسئوليات، ومحاسبة الدولة في كافة الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها، ومن جهة إجرائية، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوي، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في مجموعها القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة، ووسيلة محاسبتها إذا استدعى الأمر ذلك من جهة أخرى(1)
والمجتمع المدني هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، فهو يتميز بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية، والعمل التطوعي، والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، ورغم أنه يعلى من شأن الفرد إلا أنه ليس مجتمع الفردية بل على العكس مجتمع التضامن عبر شبكة واسعة من المؤسسات (2)
تزداد أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.(3). وفى هذا الإطار يرى المفكر والمناضل الإيطالي انطونيو جرامشى أن المجتمع المدني ساحة للصراع داخل المؤسسات السياسية والنقابية والفكرية للمجتمع الرأسمالي، تمارس من خلاله الطبقة البورجوازية هيمنتها الثقافية أو تصعد من خلاله بشائر الهيمنة المضادة للطبقة العاملة(4). أي أن المجتمع المدني عند جرامشى هو مفهوم صراعي وليس شأنا رأسماليا بحتا حيث يتعين على الطبقة العاملة والطبقات الكادحة أن تواجه الأيديولوجية الرأسمالية والثقافية السائدة بثقافة مضادة، مما يعزز استقلالية مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حماية الإنسان العادي من سطوة الدولة، وقدرته على ممارسة التضامن الجماعي في مواجهتها ، مما يمكنه من الضغط عليها والتأثير علي السياسيات العامة للدولة. والمجتمع المدني بهذا المفهوم هو أحد أركان الديمقراطية ويلعب دورا هاما في بنائها ودعم تطورها، ويمكن أن نتعرف مبدئيا على العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية من خلاتل متابعتنا لكافة الجوانب المتعلقة به من حيث تعريف المجتمع المدني ومكوناته ووظائفه ، كما يمكن أن نتعرف عليه تفصيليا من خلال دراستنا للجوانب المشتركة بينهما.
تعريف المجتمع المدني :
استقر الرأي من خلال الدراسات الأكاديمية والميدانية والمتابعة التاريخية لنشأته وتطوره أن المجتمع المدني هو "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها" هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضى والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف.
وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي :
- الفعل الإرادي الحر أو التطوعي
- التواجد في شكل منظمات.
- قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين
- عدم السعي للوصول إلى السلطة.
مكونات المجتمع المدني :
يدخل في دائرة مؤسسات المجتمع المدني طبقا لهذا التعريف أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة تبعا للغرض العام أو المهنة أو العمل التطوعي، ولا تستند فيه العضوية غلى عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولية مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة، وبالتالي فإن أهم مكونات المجتمع المدني هي :
- النقابات المهنية
- النقابات العمالية
- الحركات الاجتماعية .
- الجمعيات التعاونية
- الجمعيات الأهلية
- نوادي هيئات التدريس بالجامعات
- النوادي الرياضية والاجتماعية
- مراكز الشباب والاتحادات الطلابية
- الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال
- المنظمات غير الحكومية الدفاعية والتنموية كمراكز حقوق الإنسان والمرأة والتنمية والبيئة.
- الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر
- مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الثقافية.
وهناك من يضيف إلى هذه المنظمات هيئات تقليدية كالطرق الصوفية والأوقاف التي كانت بمثابة أساس المجتمع المدني في المجتمعات العربية منذ مئات السنين قبل ظهور المنظمات الحديث.
الاختراق الخارجي للمجتمع المدني :
لاشك في أن العولمة الرأسمالية هي أهم الظواهر العالمية المعاصرة وأهمها تأثيراً في حياة الشعوب ومستقبلها .ومن أبرز مظاهر العولمة إعادة هيكلة الرأسمالية المعاصرة بإدماج اقتصاديات مختلف بلدان العالم في الاقتصاد الرأسمالي بالشروط التي وضعتها رأسمالية المراكز المتقدمة على أساس إعلاء شأن السوق وآلياته وفرض حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقا لأفكار الليبرالية الجديدة التي تشكل العنصر الأيديولوجي المسيطر والمركزي في عملية إعادة الهيكلة هذه التي تجرى على امتداد العالم، وقد عانت دول الجنوب ومن ضمنها الأقطار العربية من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة تطبيق السياسات التي أو أوصت بها المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهى السياسات المعروفة بالتكيف الهيكلي.
ولتخفيف حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي حرصت قوى العولمة على توظيف المجتمع المدني ليكون بديلا للدولة الوطنية التي تنسحب من أدوارها التقليدية ومسئولياتها في دعم الفئات الفقيرة وتوزيع الدخل لصالح الطبقات العاملة والكادحة والفئات الضعيفة، وتهدف قوى العولمة من دعمها للمجتمع المدني أن يقوم بدور البديل للدولة في مجال دعم الفئات الفقيرة وتستخدم كملطف لحدة المشاكل الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي مثل الفقر والبطالة والتهميش فيكون إطاراً يعبئ شرائح وقوى اجتماعية تتحمل عبء مواجهة هذه المشاكل وسيكون ذلك بالقطع على حساب دوره في دعم التطور الديمقراطي للبلاد.
تؤكد التقارير السنوية للبنك الدولي هذه النظرة حيث يشير في تقرير 1995 إلى المجتمع المدني كظاهرة اقتصادية باعتباره القوة المحركة بالنسبة لنشاطات ونمو القطاع الخاص، من هنا تأتى أهميته لأهداف التكيف الهيكلي فيما يتعلق بتقلص دور الدولة، وخصخصة الخيرات العامة والسلع الاجتماعية، ونمو القطاع الخاص الذي تعرض للتقهقر في مراحل سابقة، ويؤكد البنك الدولي أنه من المأمول مع الانفتاح السياسي أن تحدث نقله من مرحلة التسامح مع القطاع الخاص إلى مرحلة التحمس له، بوصفه محرك النمو والمحدد الرئيسي لمستقبل البلاد، ويشير البنك في تقرير 1998 أن القطاع المستقل عن الدولة أو غير الحكومي والذي يضم أنواعا مختلفة من المنظمات غير الحكومية عليه دور حاسم في التصدي للمظاهر التي تحول دون تطور القطاع الخاص. وينظر البنك؛ الدولي إلى المجتمع المدني لما يستطيع أن يقوم به من مساعدة في تعبئة الموارد بالطرق التي تعجز الدولة عن القيام بها وباعتباره "دولة الظل" التي تقوم بوظائف تقليدية للدولة مثل إنشاء وإدارة المدارس ومراكز الرعاية الصحية ومشروعات الأشغال العامة كشق الطرق والترع(5)، بل إن تعريف البنك للمنظمات الأهلية يؤكد إصراره على دورها كملطف لحدة المشاكل وليس باعتبارها الوسيط بين المجتمع والدولة أو باعتبارها إطارا مناسباً للمساهمة في التحول الديمقراطي للمجتمع أو لإمكانية قيامها بدور تغييري تنموي شامل، يتضح ذلك من تعريف البنك الدولي لها بأنها مؤسسات وجماعات متنوعة الاهتمامات مستقلة كليا أو جزئيًا عن الحكومات، وتتسم بالعمل الإنساني والتعاون وليس لديها أهداف تجارية ويساعد على تحقيق أهداف المؤسسات الرأسمالية الدولية في توظيف مؤسسات المجتمع المدني لخدمة سياساتها بناء منظمات غير حكومية عابرة للقوميات ترتبط بشبكات عالمية تساهم في تمويل أنشطة المنظمات الأهلية وغير الحكومية الوطنية وفق اجندة الرأسمالية العالمية بدلا من أن تكون أولوياتها طبقا لاحتياجات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أدى الاختراق الأجنبي إلي إدخال تغييرات على خريطة المجتمع المدني بالعديد من الأقطار العربية، حيث نلاحظ أن أساس هذه الخريطة في المجتمعات العربية حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين كان منظمات شعبية تعبر عن مصالح فئات اجتماعية معينة كالنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والمنظمات النسائية والشبابية، أو منظمات غير حكومية دفاعية، أو جمعيات أهلية خيرية وثقافية واجتماعية تقدم لأعضائها خدمات متنوعة كما تقدم خدماتها للفئات الضعيفة في المجتمع، أو أندية رياضية وثقافية واجتماعية تشبع احتياجات أعضائها لأنشطة متطورة في هذه المجالات، وكذلك الجمعيات التعاونية. لكن العولمة جاءت معها بقضايا جديدة ومشاكل جديدة مثل حماية البيئة من التلوث، والفقر، والهجرة واللاجئين وضحايا العنف والسكان الأصليين والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفولة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية، ولأن منطق العولمة يستبعد قيام الدولة بدور أساسي في مواجهة هذه المشكلات فإنها شجعت على قيام منظمات غير حكومية للتعامل معها، كما أن نشطاء المجتمع المدني سارعوا في كثير من الأقطار لتكوين منظمات غير حكومية لمواجهة هذه المشكلات والتخفيف من حدتها. وسواء كان المشجع على قيام هذه المنظمات الجديدة هو العامل الخارجي أو الأوضاع الداخلية إلا أن النتيجة واحدة هي قيام مئات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الجديدة التي تنشط حول أهداف مفتتة وقضايا جزئية دون ارتباط بالأسباب المشتركة لهذه المشاكل الجزئية، ودون وضوح حول إمكانية التنسيق والتعاون بينها لمواجهة هذه الأسباب التي تعود بالأساس إلى العولمة الرأسمالية وسياساتها. وهذا التغيير في خريطة المجتمع المدني يهدد مؤسسات المجتمع المدني بالتحول عن دورها الأساسي كجزء من المجتمع الديمقراطي إلى ملطف ومخفف لحدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناجمة عن سياسات العولمة وتأثيراتها على مجتمعاتنا وهى تكرس في نفس الوقت الحكم الاستبدادي.
يطرح هذا التطور في بنية المجتمع المدني في دول الجنوب والأقطار العربية قضية الحركات الاجتماعية كمكون أساسي من مكونات المجتمع المدني، وكعنصر هام من عناصر التطور الديمقراطي وتحولات المستقبل الاجتماعية. ووجه الأهمية هنا في طرح قضية الحركات الاجتماعية أننا مع هذا التغيير في بنية المجتمع المدني أمام حركات اجتماعية جديدة تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية سواء من حيث الأهداف أو الأدوار، فالحركات التقليدية كالحركة العمالية والحركة الفلاحية والحركة الطلابية والحركة النسائية كانت جزءًا من الصراع الطبقي في المجتمع هدفها حماية مصالح فئات اجتماعية واسعة أو طبقات اجتماعية في مواجهة الاستغلال والقهر الذي تمارسه فئات أخرى، ورغم أنها لم تكن تمارس نشاطا حزبيا مباشرا، إلا أنها أدت في بعض الأحيان إلى تأسيس أحزاب سياسية لهذه الفئات الاجتماعية، وقد نجحت هذه الحركات الاجتماعية القديمة أن توحد نضالها حول أهداف عامة تجمع كل المنتمين إلى تلك الفئة الاجتماعية كالمرأة مثلا أو العمال، وقد لعبت دورًا هاما في تعديل موازين القوى الطبقية في المجتمع في كثير من الأقطار في فترات مختلفة، ولكننا نلاحظ أن نفوذ هذه الحركات وتأثيرها يضعف باستمرار نتيجة لنجاح السلطة في استعابها واحتواء حركتها، أو لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغياب طرح فكرى مناسب لهذه التطورات ، أو لانصراف أعضائها عن نشاطها، وفى نفس الوقت تنشأ حركات اجتماعية جديدة حول قضايا وأهداف جزئية في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والعاطلين والأمومة والطفولة والأقليات .. الخ. حيث نلاحظ قيام تنظيمات متعددة لا صلة بينها داخل المجال الواحد للتعامل مع جانب واحد فقط من القضية، كما هو الحال مثلا في مجال حقوق الإنسان حيث توجد تنظيمات منفصلة للمساعدة القانونية وتنظيمات أخرى لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتنظيمات ثالثة لرصد الانتهاكات .. الخ،
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام انفجار في الحركات الاجتماعية والتنظيمات الجديدة التي تنشأ حول أهداف محدودة للغاية دون أن يربط بينها رابط مشترك لتنسيق الجهود، أو إدراك واضح للارتباط الضروري بينها مما يهدد المجتمع المدني بالانحراف عن دوره الحقيقي في دعم التطور الديمقراطي نتيجة لغياب الرؤية المشتركة والتنسيق المشترك بين هذه المنظمات والحركات الاجتماعية واكتفائها بالنشاط حول الهدف الخاص بكل منها.
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل هنا أن أحد أسباب التسارع في تأسيس هذه الحركات هو تزايد وعى الناس بأن الدولة ومؤسساتها وكذلك الأحزاب السياسية عاجزة عن مواجهة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من مشاكل اجتماعية، وتترك الناس تحت رحمة هذه الأوضاع. واستجابة من الناس لهذه الأوضاع فإنهم ينشئون حركاتهم الاجتماعية الخاصة، أو ينضمون إلى حركات اجتماعية قائمة، أو منظمات دفاعية تقوم على أسس دينية أو عرقية أو قومية أو جنسية أو بيئية أو سلامية أو محلية أو على أساس أي قضية منفردة، وتقوم معظم هذه الحركات بالتعبئة والتنظيم باستقلال عن الدولة ومؤسساتها والأحزاب السياسية لأنها لا تراها قادرة على مواجهة هذه القضايا أو المشاكل بفاعلية.
من هذا العرض للمجتمع المدني ومقوماته الأساسية ومكوناته ومالحق به من تطورات نتيجة للأوضاع العالمية المستجدة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية يمكن القول أننا أمام نوعين من المجتمع المدنى إن صح التعبير في الأقطار العربية :
- مجتمع مدني شعبي
- مجتمع مدني نخبوى
تكتفي القوى الرأسمالية والفئات الحاكمة بوجود مؤسسات للمجتمع المدني في إطار نخبوى تقوم بدورها في تلطيف حدة المشاكل الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفق الشروط التي تضعها المراكز الرأسمالية المتقدمة، وينحصر دور هذه المنظمات من وجهة نظر الفئات الحاكمة والقوى الرأسمالية في تقديم الرعاية للفقراء والمحتاجين، وإشباع حاجات خدمية لفئات اجتماعية معينة، بما لا يؤدى إلى تغيير الأوضاع بل يعيد إنتاج الأوضاع القائمة بما فيها من فقر وبطالة وتهميش وافتقاد العدالة وفى هذه الحالة فإن مؤسسات المجتمع المدني النخبوية لن تزعج الفئات الحاكمة ولن تلعب دوراً في تغيير الأوضاع القائمة من خلال المساهمة الفعالة بدور ديمقراطي في المجتمع. وعلى العكس، من هذا فإن القوى الديمقراطية والتقدمية يجب أن تدفع في اتجاه اكتساب مؤسسات المجتمع المدني طابعا شعبيًا يساعدها على القيام بدور تعبوي تغييري تحتاجه مجتمعاتنا تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من خلاله من المساهمة في عملية التحول الاجتماعي والسياسي للمجتمع. والمشاركة بشكل جماعي (كمؤسسات) في صياغة السياسات العامة والضغط من أجل تعديلها بما يحقق مصالح الأغلبية ويكفل مشاركتها السياسية تدعيما للديمقراطية (6) .
يتطلب دعم الطابع الشعبي للمجتمع المدني الاهتمام أكثر بالمنظمات الشعبية ذات الجذور العميقة فى المجتمع التي تهملها حاليًا المنظمات غير الحكومية المنشأة حديثًا وتشمل المنظمات الشعبية تحديدا النقابات المهنية والعمالية ، والمنظمات الفلاحية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين والمنظمات المهنية وتنظيمات الخدمة الاجتماعية، ويوفر هذا التنسيق استفادة المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني من التراث الطويل والخبرات الواسعة للحركة النقابية في مجالات التعبئة وحشد القوى، ولديها الوسائل والكوادر المدربة على ذلك، ولها خبرات هامة في المجال المطلبى، وتتوفر لدى المنظمات الأخرى التعاونية والاجتماعية والطلابية والفلاحية خبرات متنوعة وإمكانيات بشرية تطوعية يمكن أن تستفيد منها المنظمات الأخرى حديثة النشأة لاكتساب القدرة على التأثير والاستناد إلى قاعدة اجتماعية واسعة وامتلاك خبرات جديدة في مختلف المجالات ، وسوف يساعدها ذلك على تجاوز وضعها الحالي كمنظمات منعزلة عن بعضها تعمل في إطار أهداف جزئية بحيث تتجه إلى إقامة تحالفات مع المنظمات الأخرى العاملة في نفس المجال مثل حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية .. الخ، وتجاوز وضعها النخبوى إلى آفاق جماهيرية وشعبية أوسع تساعدها على تفعيل نشاطها واكتساب المقومات الضرورية لتحولها إلى حركات اجتماعية لها عمق شعبي كاف.
بهذا التوجه يمكن أن يقوم المجتمع المدني بدوره المأمول في بناء الديمقراطية. التي يلتقي معها في إطار نسق مشترك من القيم.
القيم المشتركة للديمقراطية والمجتمع المدني :
يلتزم المجتمع المدني في وجوده ونشاطه بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمنية للتنوع والاختلاف، وما يتطلبه ذلك من قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين وهى نفس القيم والمعايير التي تقوم عليها الديمقراطية كصيغة لادارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية وباعتبارها أيضًا أسلوب حياة يشمل كافة مجالات المجتمع. في هذا الإطار تبرز »قيم التسامح، والروح الجمعية، والتقدير المرتفع للذات من منظور الأهلية للفعل الاجتماعي والسياسي، الإيمان بكرامة الإنسان، الوفاء بالوعود، الشفافية والمثابرة، ولتأسيس الديمقراطية كنظام حكم وطريقة حياة لا يكفى أن تكون هذه القيم أساس تحرك الإنسان في المجتمع وموقفه من الذات ومن الآخر بل ينبغي أيضًا تنمية المهارات الذهنية ومهارات المشاركة التي تمكنه من التفكير والتعرف على نحو يوازن بين حقوقه الفردية وبين الصالح العام، هذه المهارات تمكن المواطن من تحديد ووصف وشرح المعلومات والأفكار ذات العلاقة بالقضايا العامة. فضلاً عن إبداع بدائل حل المشكلات الناجمة عنها، والمفاضلة بينها، أما مهارات المشاركة فتمكن المواطن من التأثير في قرارات السياسة العامة ومساءلة ممثليه في المجالس والهيئات المنتخبة.(18)
وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل والمدرسة الأولية للتمكين لهذه القيم والمهارات عند المواطنين الذين ينضمون إلى عضويتها وينشطون في إطارها ولما كانت هذه القيم هي جوهر الثقافة الديمقراطية، والمهارات هي أساس الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية في المجتمع فإن إسهام مؤسسات المجتمع المدني في ترسيخها لدى المواطن ولدي المجتمع يمثل جانبا هاما من دوره في بناء الديمقراطية .

المراجع

(1) د. حامد خليل ، الوطن العربي والمجتمع المدني، كراسات استراتيجية ، مجلة فصلية تصدر عن مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق.
العدد الأول - السنة الأولى - خريف 2000. ص 12.
(2) د. الحبيب الجنحانى، المجتمع المدني بين النظرية والممارسة، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت، العدد الثالث، المجلد السابع والعشرون، يناير / مارس ،1999 ص 36.
(3) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية على مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر القاهرة، الطبعة الأولى، يناير 1999- ص 20.
(4) د. مصطفى كامل السيد، مفهوم المجتمع المدني ومصر، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطي في مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(5) أجوسا واى أوساجاى ، التكيف الهيكلي والمجتمع المدني والتماسك الوطني في أفريقيا، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة المجلد الثالث . ص 19-52.
(6) شهيدة الباز، دور المنظمات الأهلية العربية في تنمية المجتمعات المحلية، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة، المجلد الثالث أكتوبر ،2000 ص 19.
(7) إبراهيم السوري، ورقة مقدمة إلى حلقة الحوار حول قضايا بناء القدرات للمنظمات غير الحكومية، اللجنة الاقتصادية الاجتماعية للأمم المتحدة غرب آسيا، القاهرة 19/ 21 سبتمبر 2000.
(8) د. كمال المنوفي، التعليم كيف يكون رافدا لتعزيز التطور الديمقراطي، الأهرام 7 أكتوبر 2001.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجتمع, المدني, الديمقراطية, والقيم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع