دكتور عمرو الليثي يكتب الكرنك 2

[على الشامى]

كما ذكرنا فى المقال السابق وكما حكى لى والدى المنتج والسينارست الكبير ممدوح الليثى منتج وكاتب سيناريو وحوار فيلم «الكرنك» أنه بعد يومين من مشاهدة الرئيس أنور السادات لنسخة الفيلم وجد سيارة رئاسة الجمهورية تحضر مرة ثانية لمنزلنا وينزل منها صديقاه السيد اللواء رؤوف دغيدى والسيد اللواء أحمد سرحان ليبلغاه بأن الرئيس السادات سيشاهد الفيلم مرة ثانية اليوم مع السيدة حرمه والمهندس سيد مرعى.. حملت سيارة رئاسة الجمهورية النسخة إلى الرئيس السادات ولم ينَم والدى ليلتها أيضاً، وفى الصباح الباكر رن جرس التليفون فى منزلنا وكان المتحدث اللواء أحمد سرحان ليقول لوالدى: «مبروك يا ليثى.. الفيلم هايل الرئيس شافه وعجبه جداً..».



-آى والله.. وخد حتى كلم فوزى بيه! وحدثه الأستاذ فوزى عبدالحافظ مدير مكتب الرئيس السادات الذى هنأه على الفيلم وأكد ما سبق أن ذكره له اللواء أحمد سرحان من إعجاب الرئيس والسيدة جيهان السادات وكل الموجودين بالفيلم وقفز والدى من مكانه فرحاً لا تسعه الدنيا، ارتدى بدلته وتوجه بسرعة إلى إدارة الرقابة على المصنفات الفنية حاملاً نسخة الفيلم، قابل السيدة العظيمة المرحومة اعتدال ممتاز وقبل أن يطلب منها الترخيص بعرض الفيلم بادرها مزهواً قائلا «على فكرة الرئيس السادات شاف الفيلم وعجبه» وصدته قائلة: وماله يعجبه هو بس لازم نشوف الفيلم إحنا كمان! طبعاً أطفئت أنوار الصالة وجلست السيدة اعتدال ممتاز وسط الرقباء يشاهدون الفيلم، بعد انتهاء العرض هنأت السيدة اعتدال ممتاز والرقباء والدى ممدوح الليثى على المستوى الفنى للفيلم ثم دعته إلى حجرتها فى الدور العلوى، وبعد أن طلبت له فنجان القهوة التفتت له قائلة: ليه حق الرئيس السادات يعجبه الفيلم زى ما بتقول فيلم جسد حدثين مهمين فى حياة السادات هما تصفية مراكز القوى وعبور أكتوبر العظيم، ليرد والدى: مضبوط. ونظرت له المرحومة اعتدال ممتاز نظرة صامتة وهى تقول: برافوا عليك أنت لم تبخل على الفيلم بشىء، كل نجوم مصر جبتهم فى الفيلم ووفرت له كل الإمكانيات.. إن شاء الله حينجح ومبروك مقدما.. متشكر قوى.. ثم ابتسمت السيدة اعتدال ممتاز نصف ابتسامة وهى تقول: بس للأسف أنا مقدرش أصرح بالفيلم ده! وشهق والدى: ليه..؟ روح لسعد الدين وهبة أو روح للوزير يوسف السباعى... أنت لك تجارب سابقة معانا فى «ميرامار» و«ثرثرة فوق النيل» وعارف أن الأفلام السياسية دى مش من سلطاتى! وشكر والدى السيدة اعتدال ممتاز وانصرف.. فى قصر الثقافة بالإسكندرية ترك الأستاذ سعد الدين وهبة وكيل أول وزارة الثقافة حينئذ كل مشغولياته وجلس يشاهد الفيلم، وكان والدى قد أبلغه قبلها بالطبع بإعجاب الرئيس السادات بالفيلم، وكلما جاء ذكر اسم «السادات» بالفيلم يزغده وهو يحدثه هامساً: «عرفت تضحك على الرئيس!». بعد انتهاء الفيلم هنأه سعد الدين وهبة ومن معه بالمستوى الفنى للفيلم ثم صحبه إلى حجرة مدير قصر الثقافة ليجلسا على انفراد ونظر له سعد الدين وهبة وقال: الفيلم كويس بس لو شافه الوزير يوسف السباعى حيقطع رقبتك.. ليه؟!! ـ مش عارف ليه.. عايز يوسف السباعى يوافق على فيلم بطله واحد شيوعى..! وأسقط فى أيديهم.. وجلس والدى مع الأستاذ سعد الدين وهبة يفكران فى الحل. فجأة قال الأستاذ سعد الدين وهبة «وجدتها» اعمل عرضا خاصاً للفيلم ادعُ كبار الكتاب والنقاد والشيوعيين بالذات خليهم يشوفوا الفيلم.. كوّن رأى عام يقف جانبك. وقبل أن يترك سعد الدين وهبة طلب منه ألا يخبر أحداً أنه صاحب اقتراح أو «مؤامرة» العرض الخاص للفيلم.. نفذ والدى نصيحة سعد الدين وهبة ووجه الدعوة لكبار كتاب ونقاد مصر وكبار المسؤولين وكبار المثقفين وكبار الإعلاميين لمشاهدة فيلم «الكرنك» بصالة العروض الخاصة بسينما ريفولى وحضر كل وزراء الإعلام السابقين عبدالقادر حاتم، عبدالمنعم الصاوى، كمال أبوالمجد، كبار الكتاب: مصطفى أمين، جلال الحمامصى، إحسان عبدالقدوس، فتحى غانم، أحمد بهاء الدين، محمود أمين العالم، على الراعى، محمد عودة، كامل زهيرى. كبار النقاد: حسن إمام عمر، مصطفى درويش، حسن فؤاد، مجدى فهمى، سمير فريد، حسن شاه، رؤوف توفيق، والكثيرون..! صفق الجميع بحماس شديد بعد مشاهدة الفيلم.. وقد نال استحسانهم جميعاً وانبرت الأقلام تشيد بالمستوى الفنى والسياسى لفيلم «الكرنك» ونجحت خطة.. أو مؤامرة سعد الدين وهبة وكيل أول وزارة الثقافة.. ضد يوسف السباعى وزير الثقافة!..

وللحديث بقية