العودة   الموقع الرسمي للاعلامي الدكتور عمرو الليثي > الأقسام العامة > القسم الاخباري
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-22-2010, 10:28 AM
الصورة الرمزية احمد مختار
احمد مختار احمد مختار غير متواجد حالياً
مشرف عام
 


إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى احمد مختار
افتراضي ا نيل.. بك بعض ما بى..!!

يا نيل.. بك بعض ما بى..!!

بقلم د. يحيى الجمل 22/ 2/ 2010
هذا عنوان قصيدة جميلة للشاعر المبدع المجمعى الكبير فاروق شوشة أذكرها كلما نظرت إلى النيل من شرفة منزلى ورأيت ما يلحق به من هوان، بعد أن كان قدماء المصريين يقسمون على احترامه وتقديسه - وليست هذه القصيدة الرائعة هى السبب المباشر لهذا المقال وإنما سببه المباشر حكم أخير للمحكمة الإدارية العليا فيه غزل ومناجاة مع النيل على قلة ما يحدث مثل ذلك فى الأحكام القضائية التى تتميز بالصرامة والمباشرة وقد أسعدنى الحكم وأحسست أننى أريد أن أكتب عنه.

وعلى قدر سعادتى بهذا الحكم فقد فوجئت بفتوى من الجمعية العمومية لمستشارى مجلس الدولة بأغلبية تشبه أغلبيات مجلس الشعب ترفض تعيين المرأة فى المناصب القضائية.

وقد أصابتنى هذه الفتوى بكثير من التساؤل والقلق.. وحول هذين الموضوعين يدور مقال اليوم.

أما عن الحكم الذى أسعدنى وذكرنى بقصيدة فاروق شوشة الرائعة فقد كان متعلقاً بإحدى الجزر الصغيرة الموجودة فى مجرى النهر العظيم التى رأت الإدارة إزالة ما عليها من مبان وتشريد سكانها لكى تخصص مشروعاً استثمارياً لأحد الأمراء العرب ولم يرتض القضاء العادل بكل ما لديه من إحساس بالمصلحة العليا لأبناء هذا الشعب - البائس المسكين - بهذا القرار فحكم بإلغائه واجتثاثه من جذوره وفى هذا الصدد جرت مناجاة النيل والغزل معه.

اقرأ الحكم يقول: «ومن حيث إن نهر النيل كان ومازال شريان الحياة لمصر والمصريين ارتوى شعبه من مياهه وتكونت من ترسيبات مياهه الأرض الخصبة التى عاش عليها الإنسان زارعاً مستقراً على ضفتيه، والنيل من قبل ومن بعد مؤذن الحضارة المصرية التليدة التى لم يقف نورها وتطورها عند المصريين وإنما كانت ملهماً لحضارات نشأت فى أنحاء العالم المختلفة تفاعلاً وتأثراً.

ومن حيث إن جمال نهر النيل لم يقف عند حد وادية من منبعه إلى مصبه فى حدود مصر الشمالية وإنما بجزر يزدان بها تناثرت كاللؤلؤ المنثور على صفحته البيضاء معلنة أن عطاء الله لمصر والمصريين قد امتد إلى داخل مياه النهر أرضاً خضراء تعطى زارعيها طيب الزرع وعاطر الهواء، وهى والنهر العظيم إلهام للأبناء والشعراء وفرض واجب على الشعب والدولة حمايته امتداداً لحكمة قدماء المصريين حكاماً ومحكومين أقسموا على احترامه ونظافته وسهولة جريان مياهه حتى مصبه.

وانظر أيضاً إلى ذلك الحكم العظيم يقول: «لا خلاف على أن ربط فكرة المحافظة على الأمن القومى بإقامة مشروع سياحى لا يستقيم مع علو فكرة الأمن القومى كما أن المحافظة على مصالح الأفراد الخاصة فى إطار المصلحة العامة تمثل أرقى مظاهر المحافظة على الأمن القومى والتعبير الحقيقى عن قدرة الدولة على ترسيخ مبدأ المواطنة».

كم هو رائع وعظيم وسديد هذا الحكم التاريخى الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا أخيراً.

ولم تمض غير أيام معدودة على هذا الحكم العظيم حتى فوجئنا بتلك الفتوى من الجمعية العمومية بأغلبية ساحقة بعدم جواز تعيين المرأة فى الوظائف القضائية!!

وقد جرى العمل فعلاً سواء فى القضاء العادى على عدم تعيين الخريجات فى النيابة العامة وإن كان قد جرى تعيين الكثيرات فى المنصب القضائى ذاته، بعد أن اتخذ مجلس القضاء الأعلى قراراً بهذا الشأن أقر أصل الحق، ولم يعد لأحد ولا لجهة الحق فى مناقشة هذا الأصل الدستورى وقد جرى العمل مؤخراً على تعيين الخريجات المتوقات فى هيئة قضايا الدولة وفى النيابة الإدارية ورقى منهن قاضيات.

وحدث فى هذا المجال تطور خطير منذ قرابة عشر سنوات حين عينت السيدة تهانى الجبالى قاضية فى المحكمة الدستورية العليا، وكان ذلك كفيلاً بأن يكون قدوة ومثالاً لكل الجهات القضائية سواء فى ذلك القضاء العادى أو القضاء الإدارى تأسيساً وسيراً على خطى القضاء الدستورى ولكن للأسف الشديد لم يتحقق هذا الذى كنا نرجوه ونبشر به، وجاءت الفتوى الأخيرة انتكاساً لهذا التيار المستنير.

وأذكر منذ عدد طويل من السنين أن قاضية بريطانية كبيرة كانت فى زيارة للقاهرة ودعاها نادى قضاة مصر إلى ندوة ودعانى معها للحديث فى هذا الموضوع ودافعت يومها - وكان ذلك قبل تعيين السيدة تهانى الجبالى فى المحكمة الدستورية العليا بوقت طويل - عن ضرورة عدم حجب المرأة عن الوظائف القضائية،

واعتمدت فى موقفى هذا وفى محاضرتى فى تلك الندوة على حكمين تاريخيين عظيمين أصدرتهما محكمة القضاء الإدارى برئاسة العلامة السنهورى فى السنتين السادسة والثامنة القضائيتين من عامى 1953 و1954 قالت محكمة القضاء الإدارى - منذ قرابة ستين عاماً جرت بعدها مياه كثيرة وتطورات عديدة متلاحقة - قالت المحكمة فى الحكم الأول إنه لا يجوز أن يستخلص من عدم تعيين المرأة فى بعض الوظائف القضائية - لا يجوز أن يستخلص من هذا التصرف أن الإدارة قد أقرت قاعدة عامة مطلقة تقضى بأن المرأة المصرية لا تصلح فى كل زمان لتولى مناصب القضاء ووظائف النيابة العامة وإدارة القضايا،

فقاعدة عامة مطلقة على هذا النحو لا يجوز، تأسيساً على ما تقدم، التسليم بها كما لا يجوز الاحتجاج للقول بغير ذلك بأحكام الشريعة الإسلامية السمحة فإن من نصوص الفقه الإسلامى ما لا يمنع من تقليد المرأة المسلمة مناصب القضاء متى كانت صالحة لذلك - وقد جاء فى البدائع للكاسانى «جزء 7-ص3» تعداد لشرائط الصلاحية لتقليد القضاء ولم يرد من بينها شرط يقضى بأن يكون القاضى رجلاً.

وقالت المحكمة ذاتها فى الحكم الثانى: «قصر بعض الوظائف كوظائف مجلس الدولة أو النيابة أو القضاء على الرجال دون النساء لا يعدو هو الآخر أن يكون وزناً لمناسبات التعيين فى هذه الوظائف، تراعى فيه الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية شتى الاعتبارات من أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة، وأوضاع العرف والتقاليد دون أن يكون فى ذلك لا حط من قيمة المرأة ولا نيل من كرامتها ولا غض من مستواها الأدبى أو الثقافى، ولا غمط لنبوغها وتفوقها ولا إجحاف بها».

وقد كان أحد هذين الحكمين متعلقاً بالزميلة الأستاذة الكبيرة الدكتورة عائشة راتب التى كانت ومازالت أستاذاً فى كلية الحقوق وكانت قبل ذلك سفيرة ووزيرة بارزة.

وعندما تخرجت الدكتورة عائشة وكانت من أوائل دفعة 1949 من حقوق جامعة فؤاد الأول تقدمت بطلب للتعيين فى مجلس الدولة ولم يقل أى من الحكمين إنها لم تكن صالحة للتعيين بل أشاد الحكم المتعلق بها بنبوغها وتفوقها.

وكان الموضوع قد حل حلاً موفقاً بتعيين الدكتورة عائشة معيداً فى الكلية لكى تتدرج فى وظائف هيئة التدريس حتى تصل إلى أقصاها كان ذلك منذ ستين عاماً.

وبعد ستين عاماً تصدر هذه الفتوى.

أظن أن من حقى أن أتساءل بغير قليل من القلق متى سنعيش فى عصرنا وعالمنا.

ويعزينى أنها فتوى وليست حكماً.. والفتوى غير الحكم. الأولى غير ملزمة، والثانى هو عنوان الحقيقة أو هو الحقيقة ذاتها كما يقول بعض الفقهاء الفرنسيين.
التوقيع:


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بى..!!, نيل..


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع