العودة   الموقع الرسمي للاعلامي الدكتور عمرو الليثي > الأقسام العامة > أقلام الاعضاء
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-07-2011, 07:37 PM
الصورة الرمزية محمد رجب الصفناوي
محمد رجب الصفناوي محمد رجب الصفناوي غير متواجد حالياً
عضو
 


إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى محمد رجب الصفناوي
Smile الحب الإلهي الجزءالأول

الحب الإلهي الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء , بسم الله الواحد الأحد الفرد الصمد ،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، بسم الله مالك الملك يؤتى الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ،ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اللهم صلى على سيدنا محمد إمام المتقين ،وسيد المرسلين،وخاتم النبيين ،وحبيب رب العالمين، أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ،أول شافع و أول مشفع،و أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وسلم، اللهم أحينا على سنته،وأمتنا على ملته ،واحشرنا تحت لواءه ،و أوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا ،واجعلنا من رفقائه في الجنة صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله الذي یمنح عطاءه لمن أسلم قیاده إلیه ، ویھب رضاءه لمن قصده وتوكل علیه ، ویجتذب إلى ساحة قربه من أناب ورجع إلیه .
سبحانه أقام في كل عصر كوكبة من أحبابه یدلُّون الخلائق علیه، فھم أولیاؤه وعارفوه ، یدعون إلیھ على بصیرة الإیمان ، ویحررون العقول من رِبْقة الشیطان ، فھم الھداة المھتدون ، والورثة المحمدیون من أحبھم شرب من راحھم فاستراح ، وعلى باب ربه أقام وأناخ . فمن شرب من رحیق وداده اھتدى ، ولم یعرفه الردى ، فقد نصره الله على سائر العدا ، ومن حاد عن طریقھم
ضل واعتدى ، ومن یضلل الله فلن تجد له ولیا مرشدا.
إلى كل من ذاق حب الله تعالى ،وأحس بنعيم القرب منه ،وأيقن فضله عليه ،ورحمته به ،وعلم أن العزة في التذلل إليه. إلى كل قلب خاشع ،وصدر منشرح، وعين دامعة ،ولسان ذاكر,أهدي إليكم هذه الرسالة لتفرحوا بحب الله لكم ولتسعدوا بحبكم لله ، ولعلها تكون لكم استمرارا في طريق الهدى والنور، ولتكون لكم عونا في مواجهة الشيطان ،وإبطال حيله ،والتغلب علي وساوسه . إلى كل من انحرف عن طريق الله ،ولم يذق حبه ،وجذبه الشيطان جذبا إلى طريق الغواية ،أهدي إليكم هذه الرسالة علها تكون لكم هداية وإرشادا إلى معرفة الله ،والتقرب منه ،ليتسلل إليكم حبه، ولتتعرفوا على رحمته بكم ،ولتكون لكم بداية في إصلاح النفس ،وطهارة القلب من دنس المعاصي، حتى تستقبلوا حب الله لكم بنقاء سريرة، وصفاء نفس، وطهارة روح.
وإن هذه الرسالة أول كتاباتي،وقد شاء الله عز وجل بعد تفكير عميق أن تكون رسالة حب ،تجتمع عليه القلوب، فتزداد نورا وشفافية ،وأردت أن أبني بيني وبينكم جسورا من الحب، تمتد إلى أعماق القلوب ،فلم أجد أعظم وأجل من حب الله يجمعنا ويضمنا ،فلا تؤثر فيه رياح النفس، أو عواصف الهوى، أو وساوس الشيطان، أو ملذات الدنيا، أو شهوات الإنسان ،فمن أنعم الله عليه بالحب لا يكون في قلبه مكانا لغيره ؛وقد قلت لنفسي إن من أهم ما يجمع الحب بين مجموعة من الأشخاص ،هو اشتراك المحبوب بينهم، فيجتمعون يتدارسون سيرته ،ويتجاذبون أطراف الحديث عنه، وتعمهم السعادة إذا ذُكر اسمه ،ويتسابقون في الوصول إلى حبه، ويسهبون في مدحه ،ويساندون أفكاره ،ويتحمسون لها، ويثنون على أفعاله وتصرفاته،وإذا اجتمعوا اجتمعوا على سيرته، وإذا افترقوا افترقوا عليها أيضا، وإذا تحدث استمعوا له بآذان صاغية، وإذا أمر أو نهى أطاعوه، وإذا أراد أن يقابلهم تمنوا لقاءه ،وإذا التقى بهم تمنوا مصافحته و إطالة اللقاء معه ،ثم يحاولون أن يفعلوا ما يرضيه، وإذا تركهم أصابهم الحزن والهم ،وإذا بالغوا في حبه كونوا حزبا يرأسه يتبنون أفكاره ويحاولون أن ينشرونها ،ويستقطبون الناس إليها كل ذلك حباً له .نقول ولله المثل الأعلى، فلكي يتحقق الحب بين العباد وجب عليهم حب الله أولا،فإذا مُلئت قلوبُهم بحب الله اشتاقوا إلى لقاء بعضهم حتى يَطربوا آذانهم بالحديث عنه سبحانه وتعالى، وعن رحمته وعن فضله على العباد ، فيكون تعاملهم مع بعضهم في إطار حب الله كما قال تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا). ويكون حب الله هو العامل المشترك بين العباد، فيكون الحب في الله والبغض في الله ،كما في الحديث :عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ (رواه أبوداود )
وإذا تحقق في قلوبنا حب الله أطعناه ، والتزمنا منهجه لأنه من أحب أحداً أطاعه، فنتعامل ونسير وفق منهج الله،ويسود بيننا شرع الله، فلا توجد لدينا مشكلة ليس لها حل طالما طبقنا شرعه ،بل يمكن أن نقول أنه لن تظهر بيننا أي مشكلة ،فيسود بيننا الحب والرحمة التي يجب أن يتعامل بهما المسلون، فنحن كالجسد الواحد نحس بالألم جميعا إذا اشتكى منه أي عضو كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْكَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى (رواه البخاري)
فإذا تعاملنا في إطار الحب لله خضع لنا كل شيء ،وكُتِب لنا جميعا القبول في الأرض، وهان علينا أمر الدنيا، وساد بيننا الود، وذقنا حلاوة الإيمان ،وابتعدنا عن كل الأخلاق السيئة كالحسد والحقد، وكنا كالبناء الواحد يشد بعضه بعضا كما في الحديث قال رسول الله صلى الله علية وسلم: الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (رواه البخاري)
وقبل أن نُسهب في الحديث لابد من معرفة الآتي
1. ما هو الحب
2. معني الحب بين الناس
3. العلاقة بين المحب والحبيب
4. أنواع الحب و أعظمها
5. حب الله للعباد
6. حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأُمته
7. حب الملائكة للمؤمنين
8. حب العباد لله
أولا - معنى الحب في اللغة
الحب أصله في لغة العرب الصفاء لأن العرب تقول لصفاء الأسنان حبب، وقيل مأخوذ من الحـُباب الذي يعلوا المطر الشديد وعليه عرفوا المحبة بأنها : غليان القلب عند الاحتياج للقاء المحبوب، وقيل غير ذلك .
ثانيا-معنى الحب بين الناس
وأما كلام الناس في وصفه فقيل هو ميل القلب للمحبوب ، و موافقة الحبيب في وجوده وغيبته ، ،وأن يستولي ذكر المحبوب على قلب المحب ،و أن تهب نفسك وروحك لمن أحببته ،وإلا تفكر في أحد غيره ،وأن تغار عليه وأن تحفظ حدوده، وتقوم لمحبوبك بكل ما يحبه منك ،وأن يعمى القلب عن رؤية غير المحبوب وفي الحديث :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك للشيء يعمي ويصم (رواه الإمام أحمد)
ثالثا-العلاقة بين المحب والمحبوب
يجب أن توجد رابطة تمثل الموافقة بين المحب والمحبوب، إذ أن أطراف العلاقة ثلاث: أولها المحبوب ولابد أن تتوافر فيه أسباب الجذب من جمال وكمال تجعل الطرف الثاني- وهو المحب - يتعلق وَيُعجَب به ،ويجب أن تتوافر في المحبوب صفات لا يجدها المحب في غيره ؛و أما الطرف الثالث :هي الرابطة التي بينهما فمتى قَويت وتفردت صفات المحبوب زادت الرابطة بين المحب ومحبوبه ،ومتى ضعفت صفاته ضعفت الرابطة بينهما ،ولا يوجد محبوب أعظم من الله سبحانه وتعالى له صفات جمال وجلال ،فإنه جميل يحب الجمال بل الجمال كله له والإجلال كله منه
إيثار الأعلى والأنفع
فالإنسان يترك حب الأدنى لما هو أعلى منه ،ويترك حب الأضعف لما هو أقوى منه. وكل واحد منا يحب ما يجلب له المنفعة ويترك ما يضره ، فمن كان حب الله -وهو الأعلى والأقوى- متمكنا في قلبه ترك الأدنى والأضعف- وهو حب الشهوات- وتحقق له الأنفع فلا يجد الشيطان له مكانا في قلبه،
وهذا هو قلب المؤمن الذي امتلأ بحب الله سبحانه وتعالى ففاض الحب على من حوله ،و أضاء له الطريق، فيمشى بمراد الله إلي مراد الله ،حتى يتحقق العدل والحب بين الناس ،وكما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِب)ُّ
رابعا - أنواع المحبوبات
والمحبوبات تنقسم إلى قسمين :قسم محبوب لنفسه وذاته ،ولا يُحَبُ شيءٌ لذاته إلا الله سبحانه وتعالى. وقسم يحب لغيره وهو: حب ما سواه، فالله هو المحبوب المعظم في المحبة ،فمن تمام محبة الشيء محبة محبوب المحبوب وبغض بغيضه ،ويشهد لهذا الحديث (أوثق عُري الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) وفي الحديث (من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) رواه أبو داود
خامسا - محبة الله لعباده
بعد أن خلق الله الخلق واختصهم بالتكليف، أرسل إلى الإنس والجن رسلا مبشرين بالجنة ونعيمها ،ومنذرين من النار وجحيمها .يدعون الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد التي يجب أن تقوم على الحب المتبادل بين الله وعبيده، والحب على ثلاثة أقسام : إلهي وروحاني وطبيعي , فحب الله العبد حب إلهي , وحب جبريل والملائكة لله حب روحاني , وحب العباد له حب طبيعي، ويمكن أن نضيف قسم رابع وهو :الحب البشرى، وهو حب العباد للعباد ،فإذا كان هذا الحب في الله تحول إلى حب طبيعي وهو حب العباد لله. وتنشأ بين الله ورسله والعباد_ والتي يكون العبد طرفا فيها_ علاقات حب متعددة منها:
1. حب الله للعبد
2. حب الرسول للعبد
3. حب العبد لله ورسوله
4. حب العبد للعبد
محبة الله للعبد
اعلموا-أكرمكم الله بحبه- أن الله لم يخلق هذا الخلق إلا حبا لعباده، فالله وهو الخالق والمتفرد بصفات الجمال والجلال والكمال ليس في احتياج لنا ،و إنما خلقنا ليسبغ علينا نعمه، ويعمنا بفضله ،والدليل على ذلك :أن الله خلقنا و أوجدنا من عدم ،وهل العدم ينفع أو يضر؟ كما قال تعالي" قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شيئا" أي كما خلقك الله تعالى من العدم ولم تكُ شيئاً موجودا ،ًوكذلك قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ِمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ)
ويظهر حب الله سبحانه وتعالي على الإنسان في جميع مراحل تطوره من خلق الله له حتى دخوله الجنة.
ومحبة الله لعباده تنقسم إلى قسمين :
محبة مطلقة
محبة خاصة
أولا- محبة الله المطلقة لعباده
1- خلق الإنسان بيده
لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان عندما خلقه من غير واسطة، وأنه خلقه بيده كما قال تعالى "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العالين". وقيل : أراد باليد القدرة
وهنا نتساءل لو أنك صنعت شيئا بيدك ألا تحب ذلك الشيء ،ولو أنك أعددت طعاما بنفسك ألا تحب أن تأكله ،ولو لم يكن شهيا ، كما كان نبي الله داوود يحب أن يأكل من عمل يده ، كما في الحديث الذي رواه البخاري (عن أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)
ولله دائما المثل الأعلى وهو الذي خلقنا من عدم بيده ،ألا يكون ذلك دليلا على حب الله لنا، ولو أنصفنا نسميه إحسانا إلينا، فنحن نذنب وهو يغفر ويستر، ولكن أصبحنا نحتاج إلى أدله لنثبت محبة الله لنا، مع أنها واضحة وضوح الشمس .
والله قدم لنا محبته وتركنا نحن نختار، فإذا اخترنا محبته كنا من عباده المؤمنين، أعزنا بالقرب منه ،و أغنانا عمن سواه، ولكن إذا تركنا محبته سبحانه لغيره أذلنا الله لأننا طلبنا العزة من غيره ،وإن ذلنا الآن بين الأمم والشعوب يرجع إلى أننا قصرنا في حق الله، وأننا لم نذل إليه ، فأذلنا غيره ،وهنا على الناس لأن الله سبحانه وتعالى هان علينا،فهيا بنا نعود ونصحح الإختيار، ونختار محبة الله ورسوله على ما سواهما، حتى نعود إلى عزتنا مرة أخرى، فهو القائل سبحانه: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )
فالله عندما خلقنا لم يفرق بين مؤمن ومشرك، و إنما أثبت خلقه لكل الموجودات، فبذلك يكون التكريم والإحسان للإنسان عموما ،فمن قبل محبة الله أصبح مؤمنا ،ومن رفض محبة الله أصبح كافرا كما قال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
2- الله صور الإنسان في أحسن صوره
إن الله خلق الإنسان في أحسن صوره من حيث اعتداله واستوائه ،فلم يخلقه منكبا كالحيوانات ،ولم يخلقه من ذوات الأربع بدليل أن الإنسان لا يقبل أن يكون علي هيئة الحيوان فالله خلقنا في أحسن تقويم كما قال تعالى : "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " وكما في تفسير القرطبي :أن الإنسان أحسن خلق الله باطناً وظاهراً، جمال هيئة، وبديع تركيب: الرأس بما فيه، والصدر بما جمعه، والبطن بما حواه، والفرج وما طواه، واليدان وما بطشتاه، والرجلان وما احتملتاه. ولذلك قالت الفلاسفة: إنه العالم الأصغر، إذ كل ما في المخلوقات جُمع فيه. وهذا يظهر في قوله تعالى "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ "
3-نفخ الروح في الإنسان
بعد أن خلقنا الله وسوانا من طين ،نفخ فينا من روحه سبحانه وتعالى والنفخ: هو إجراء الريح في الشيء، وهذا دليل آخر من التكريم والحب، لأن إضافة روح في هذه الآية إضافة إلى نفسه تشريفاً وتكريماً ،وهل التكريم والتشريف الا حبا ،و ذلك يظهر في قوله تعالى:"فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ "
4- سجود الملائكة لآدم
حيث أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة أن تسجد لآدم ،وهو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة. -ولله أن يفضل من يريد - فسجدوا إلا إبليس اللعين الذي أبى أن يسجد لأبينا آدم عليه السلام كما قال تعالى:"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ "
- العقــل : إن الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان عقلا
يستطيع به أن يدرك الأشياء، ويختار من بدائلها ،وبالعقل يعرف الإنسان ربه عز وجل ،وفضله عليه ،فيؤمن به ويعبده ،ولقد كرم الله الإنسان بالعقل عن سائر مخلوقاته كما قال تعالى :"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا "
6- التسخير
حيث سخر الله كل شئ في الكون لخدمة الإنسان من جماد ونبات وحيوان ،ومن هذه الأشياء تتحقق لنا الاستفادة في البر والبحر والجو ،وفي أمور حياتنا كلها كما في قوله تعالى:"وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " أي تفضلاً وتكرماً وإحسانا
7- الرزق
حيث أن الله عز وجل يرزق بني آدم كلهم مؤمنهم وكافرهم، وكذلك جميع خلقه ،فلا رازق غيره فمن سواه يرزقنا ان لم يرزقنا هوسبحانه وتعالى كما في قوله تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) وقوله تعالى: (أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ ونفور) إذ أنه لا رازق إلا الله ،ولا واهب إلا الله ،ولا رحيم إلا الله سبحانه وتعالى عما يشركون.
و الآن نتساءل أبعد كل هذا التكريم والإحسان من الله تعالى نرفض حبه وعبادته، ألا نعود إلي رشدنا وعقلنا الذي كرمنا الله به ،وننظر في الدعوة التي دعانا الله بها إلى محبته
و تخيلوا أن هذه المحبة للكافر أيضا ،وهو يأبى إلا أن يكفر بالله ،ويجحد نعمه ،وينكر فضله ،ويتبع شهواته إنه الجحود!! ولكن بعد أن تأكد كفره أصبح هذا الحب فضلا ومنَّة من الله عليه.
محبة الله الخاصة
و إنا لنتساءل أيضا إذا كانت كل هذه المحبة المطلقة من الله،فكيف بمحبة الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين والصالحين ،الذين لا يعصون الله ما أمرهم ،و إذا تحدثنا في أمر هذه المحبة فحدث ولا حرج نقول وبالله التوفيق .
إن الله ما خلق هذه الدنيا إلا ليسبغ نعمه على المؤمنين من عباده ،و الحب بين الله و عباده المؤمنين حب متبادل، و يقول سبحانه في هذا: ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) فحين يحبون الله يرد سبحانه على تحية الحب بحب زائد، و هم يردون على تحية الحب منه سبحانه بحب زائد، و هكذا تتوالى زيادات و زيادات، حتى نصل إلى قمة الحب. ولكن فيوضات الله على عباده المؤمنين لا تنتهي أبدا، ولو نظرنا في الآية نجد أن الله قدم محبته أولا ثم تبعها بمحبة العباد له، مما يدل على أن محبة الله لعباده إحسانا منه لا ينتهي ولن ينته.
ويمكن أن نقسم حب الله لعباده المؤمنين إلى قسمين
* محبة الله لعباده المؤمنين في الدنيـا
* محبة الله لعباده المؤمنين في الآخرة
أولا- محبة الله لعباده المؤمنين في الدنيـا
تأمل كيف أن كل هذا الحب من الله سبحانه وتعالى لكل بني آدم ،وهذا ما يسميه العلماء: عطاء الربوبية يستفيد منه المؤمن والكافر على حد سواء، ولكن عطاء الربوبيه ينتهي بالنسبة للكافر بمجرد موته ،وذلك لأنه رفض عطاء آخر من الله سبحانه وتعالى وهو: عدم قبوله التكليف الذي أمر الله به ،وهو ما يسميه العلماء، عطاء الألوهية ،وهذا ليس تكليفا بقدر ما هو تكريم وتشريف لأن الله أراد لنا النعيم الدائم في الآخرة ،وأن العبادة تكون في مصلحة العبد ،وليس في مصلحة الله .
مثال لذلك :الطالب يتعب في المذاكرة عددا من السنين ،ولكنه بعد أن ينهي دراسته يحس بالراحة والطمأنينة ،ويحس أنه قد استراح من المذاكرة، وأن الكل في خدمته.
الحب والقبول في الأرض
إذا أحب الله عبدا أحاطه برعايته وعنايته ،وجعل كل شيء في طاعته، ويسر له كل صعب، وقرب إليه كل بعيد، وهون عليه أمر الدنيا ،فلا يحس بتعب ولانصب ،وكُتب له القبول في الأرض ،وأحبه كل شيء إلا الكافر لأنه رفض حب الله تعالى، فكيف له بحب أحباب الله ،وهذا ما يدل عليه الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ( رواه البخاري ) أي أن العبد إذا التمس محبة الله تعالى يقول لجبريل: ألا وإن رحمتي سبقت غضبى ،ألا وإني أنا الرحمن الرحيم، يا جبريل اجعل كل من في السماوات والأرض يحبون هذا العبد، لأنه اختارني على من سواي، واجعل بين المؤمنين مودة ورحمة ودليل ذلك قوله تعالىإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) أي مودة ورحمة .وسأضرب لكم مثالا بسيطا :لو أنك نظرت إلى رجل أسمر اللون ،ولكنه يستقبل فيوضات الله، تجد في وجهه نورا يفيض منه ،أما إذا نظرت إلى رجل أبيض اللون ،ولكن لم ينعم الله عليه بنوره، لا تجد في وجهه نورا، وأيضا إنك قد ترى إنسانا لأول مرة، ولكنك تقول له أنا رأيتك من قبل ذلك، فهذا القبول ما هو إلا فيض من حب الله .
المؤمن في معية الله
إذا أحب الله العبد كان الله معه يرعاه ،ويحيطه بعنايته، ينظر إليه فلا يعذبه أبدا، ولا يسلط عليه أحدا فيؤذيه أو يسوءه، ويُذِل له رقاب من يكرهه ويعاديه، ثم يرزقه الله العزة على الكافرين ،فلا يسمع إلا ما يُرضي الله، ولا يبصر إلا ما يُحبه الله ،وكانت يده ورجله وجميع جوارحه في طاعة الله ،فلا تمتد يده إلى ما يُغضب الله، ولا تسير رجله إلى مُحَرَّم، فتجده دائمَ الذهاب إلى المساجد متعلقا بها كما في الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأنا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ (رواه البخاري) انظروا إلى حب الله لنا يعلن الحرب على من يؤذي له وليا، ،وكأنه يقول للمؤمن إذا كنت حبيبي جعلتك لا تسمع ولا تبصر إلا ما يرضيني. انه الحب الإلهي!! ولا أريد أن أسهب في شرح الحديث، ولكني اكتفيت بمعنى وحيد منه وهو حب الله لنا ولأوليائه ،وهذه المعية هي المعية الخاصة المذكورة في قوله تعالى إن الله معنا) وقول رسول الله: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) وقوله تعالى (وإن الله لمع المحسنين) وقوله (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وقوله (واصبروا إن الله مع الصابرين) وقوله كلا (إن معي ربي سيهدين) وقوله تعالى لموسى وهارون( إنني معكما أسمع وأرى)
وإذا كان الله معنا فمن يكون علينا. إن الله أعزنا بالقرب منه، وجعلنا رحماء فيما بيننا، أعزة على من يكفر به كما في قوله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)وقوله : (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )
البركة في الرزق
إذا أحب الله العبد بارك له في رزقه ،ورَزَقه القناعة، فلا يشكو من الفقر أبدا .كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْب (رواه ابن ماجه ) ومن دلائل حب الله لنا سعة العيش، والبركة في الرزق، والطمأنينة في الدنيا، كما قال تعالىوَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) أما من يطع الله فيبسط الله له في رزقه ،ويرزقه القناعة
استجابة الدعاء
من دلائل حب الله لعباده المؤمنين أن يستجيب لدعائهم ،وينعم عليهم بنعمه بمجرد أن يرفع يده للسماء ويقول يا رب كما في قوله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ، وانظر إلى هذا الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا( رواه مسلم ) انظر إلى رقة النداء في يا عبادي -ولله المثل الأعلى- كما يخاطب الأب ولده فيقول له يا بني ،ولم يكلفنا سبحانه مشقة، فكل ما علينا هو أن نطلب فقط، وهو يجيب. نطلب الهداية فيهدنا، نطلب الرزق فيرزقنا، نطلب المغفرة فيغفر لنا.وهنا يجب أن نسأل أيوجد حب مثل ذلك!؟ أيضا في الحديث القدسي ٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وأنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً (رواه البخاري) كأنه يقول يا عبدي إذا تقربت إلي فسوف أتقرب إليك بضعف أضعاف ما تتقرب به إلي ، يا عبدي إذا كنت تتعب من المشي فأنا آتي إليك هرولة ،فأنا لا أتعب أبدا، وكما في قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) كأنه يقول لنا ناموا واطمأنوا ،فإن كانت الأم تسهر على ولدها حتى ينام، فإنها أيضا تنام، أما أنا فأنا الحي الذي لا ينام ولا ينبغي له أن ينام،فأنا قيوم عليكم فاطمأنوا واهدأو ،ولا ترهقوا أنفسكم.
أمن المؤمن عند الموت
وإذا أحب الله العبد أمَّنَه في الدنيا ،ورزقه عند الموت أمنا وثباتا، فيرسل عليه ملائكته يقبضون روحه برفق وحنان، ويُثبتونه عند الموت، ويبشرونه بالجنة ،ويقولون له لا تخف ولا تحزن ،فان الله أرسلنا إليك مبشرين، فاطمئن سننقبض روحك، ونضعها في حنوط من حنوط الجنة، ونصعد بها إلى بارئها، ونناديك بأحب أسمائك إليك،وسيكون مصيرك إلى الجنة كما في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فلا تخف ولا تحزن، وأبشر بالجنة التي وعدك الله بها، فهذا جزاء محبتك لله في الدنيا، وأما في الآخرة فلك جزاء عظيم، وكما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ( رواه النسائي) وذلك عند موته وإن الله يحب عباده الصالحين الطائعين كما في قوله (إن الله يحب المحسنين) وقوله(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)وقوله (فإن الله يحب المتقين )وقوله (والله يحب الصابرين )وقوله (إن الله يحب المتوكلين )وقوله( إن الله يحب المقسطين ) وقوله (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)
والله لا يحب الكافرين الظالمين كما في قوله( إن الله لا يحب المعتدين )وقوله( والله لا يحب الفساد) وقوله (والله لا يحب كل كفار أثيم )وقوله (فإن الله لا يحب الكافرين )وقوله( والله لا يحب الظالمين )وقوله( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) وقوله (إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما) وقوله (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) وقوله (والله لا يحب المفسدين )وقوله (إن الله لا يحب المعتدين) وقوله (إنه لا يحب المسرفين )وقوله (إن الله لا يحب الخائنين )وقوله (إنه لا يحب المستكبرين )وقوله (إنه لا يحب الكافرين)
محبة الله لعباده المؤمنين في الآخرة
الخلــــود في الجنــة
إذا كان المؤمن في الدنيا في أمن الله ،فإنه في الآخرة يكن في رحاب الله، وإذا كان الله أنعم على كل الخلائق في الدنيا، فان كَرَمه علي المؤمن في الآخرة لم يخطر علي بال أحد ،ولن يخطر فان الله وعد أحبابه بجنة فيها من الحور العين ،وكل ما تشتهيه الأنفس ،فالله تكفل بإعداد الجنة للمؤمنين ،كما في الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ( رواه البخاري )تأمل في قوله أعددت وما تحمل هذه الكلمة من معاني الحب ولله المثل الأعلى إنه أحن علينا من زوجاتنا عندما تستقبلنا بكل حنان وحب ،وتكون قد أعددت لنا الطعام،وقد جعل الله لنا في جنته ما لم يخطر على قلب بشر،ويدل على ذلك قوله (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)وقوله( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) وتدل كلمة خالدين على دوام النعيم، وأن الخلود ينهي على القلق النفسي الذي قد ينتاب العبد من زوال النعمة التي في يديه ،وكلمة مغفرة أيضا تعني الستر يريد الله أن يقول لنا اطمأنوا كما غفرت لكم ذنوبكم في الدنيا ،وسترتها عليكم ،فأنا الآن أسترها عليكم أيضا ،بل محوتها من ذاكرتكم حتى لا تفكروا في هذه الذنوب مرة أخرى، فيكون في أنفسكم حرج من التنعم في جناتي .
رؤية ربــهم
أما أعظم نعمة أنعم الله بها على المؤمنين في الآخرة: هي رؤية ربهم عز وجل ، فيتجلى عليهم سبحانه بنوره ،فلا يرون أحب من ذلك أبدا كما جاء في الحديث عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (رواه البخاري ) فمن منا لا يرغب في رؤية ربه سبحانه وتعالى ،وهل يوجد حب مثل ذلك الحب الذي أنعم الله علينا به!!
وإذا كنا من المؤمنين فان الله سبحانه وتعالى يرسل إلينا إرسالات حب لا تنتهي حتى نلقى ربنا ، فمن يستقبل هذه الإرسالات يتصل بهذا الحب ،ومن يكون جهاز الاستقبال لدية لا يعمل، لا يستقبل هذا الحب- ولله المثل الأعلى -إذا نظرت إلى إرسال التليفزيون فتجده دائما جاهز لإرسال تردداته، فمن يملك جهاز تليفزيون يستقبل هذا الإرسال ، كذلك المؤمن فان جهاز استقباله يعمل دائما، أما من يرفض حب الله فان جهاز الاستقبال لديه لا يعمل، و لذلك قال سبحانه : ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) فاحرص دائما أن تتناول من يد ربك المدد الذي لا ينتهي.
سادسا - محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأُمتِه
الشفاعة: اعلموا أن من اعظم النعم التي انعم الله بها علينا في الدنيا إن لم يكن أعظمها على الإطلاق هي :انه أرسل إلينا رسولا عظيما يخرجنا من الظلمات إلى النور ،من طريق الضلال إلى طريق الهداية، من طريق الجهل إلى طريق العلم ،من طريق التخلف إلى طريق التقدم والحضارة، من طريق سوء الخلق إلى طريق حسن الخلق،وقد أرسله الله رحمة لنا كما قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وقال تعالى(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فهو بنا رؤوف رحيم. ومن دلائل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه إختبأ دعوته إلى يوم القيامة ليشفع لنا بها عند ربنا سبحانه وتعالى كما في حديث الشفاعة المشهور عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أنت رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَخِرُّ سَاجِدًا لِرَبِّي ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالَ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُالنَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ (رواه الترمذي)
تأمل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لك إنه لم يدعُ لنفسه ،ولكنه يدعو لأمته، ويظهر ذلك واضحا في الحديث التالي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ (رواه البخاري) وكذلك كما جاء في الحديث التالي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ (رواه مسلم) انظر إلى بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنه يبكي من أجلك ،وأنت لم تبكِ من أجل نفسك، وغارق في ملذاتك ،وهو قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ألا يستحق رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك؟ ما أعظم هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم!!
الورود على الحوض
ويوم القيامة يفرح بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويسقينا بيده الشريفة من حوض الكوثر الذي وهبه له ربه سبحانه وتعالى كما في الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ ( رواه مسلم ) ومعنى يختلج أي يتخطف إلى النار لأنه رفض حب النبي صلى الله عليه وسلم
وأكتفي بذكر ذلك لأن حب الرسول صلى الله عليه وسلم لنا لن ينتهي أيضا، فسوف نأنس به إن شاء الله في الجنة، ونتحدث معه، ونقابله ،ونحتضنه ،ونقبل يديه ، ونقول له اشتقنا إلى لقاءك، فأنت رسولنا ،وأنت حبيبنا ،وأنت شفيعنا ، فالحمد لله الذي جمعنا بك على خير.
سابعا - محبة الملائكة للمؤمنين
من حب الله لنا أن الملائكة تحب المؤمنين فتستغفر لهم ،ويطلبون لهم من الله الرحمة كما في قوله تعالى الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)وكذلك إذا جلس قوم يذكرون الله سبحانه وتعالى فإن الملائكة تحيط بهم ،وتستغفر لهم أيضا كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ رواه مسلم
كيف تعرف حب الله لك وأنت عاصٍ
و قد يسأل سائل كيف أعرف حب الله لي وأنا أعصيه ؟فأنا أريد دليل عملي يحدث لي في حياتي حتى أحس بهذا الحب . قبل أن نتحدث في هذه النقطة نريد أن نسألك بعض الأسئلة ،ونترك لك بعض الوقت تجيب عليها بينك وبين نفسك.
كم مرة أذنبت؟
ما هو حجم هذه الذنوب ؟
هل رآك أحد وأنت تذنب ؟
هل أنت الآن على معصيتك أم أن الله منَّ عليك بالتوبة ؟
و الآن هل أجبت عن هذه الأسئلة في نفسك ؟
نقول لك إن من دلائل حب الله لك ،وفضله عليك، إنك قد أذنبت كثيرا ،و أغرقت نفسك في ظلمة المعصية، حتى ظننت انك لن تعود إلى نور الإيمان، لان ذنبك عظيم، وانك هالك لا محالة ،وقد ضاقت عليك الدنيا بما رحبت ، فإذا كانت هذه هي حالتك، فتأمل فضل الله عليك.
إذا كنت أنت قد عصيت الله، واستبحت حرماته ،فهو لم يقبض روحك، و لم يمنع رزقه عنك، ومازال يرزقك ،ثم نريد أن نسألك
ما هي عقوبة ذنوبك ؟ هل عاقبك الله بها في الحال ؟ ماذا لو عاقبك الله بها في الحال ؟
فإذا كنت قد ارتكبت جريمة الزنا مثلا ،هل عاقبك الله بعقوبة الزنا ،وهي إما الجلد، وإما الرجم، وماذا لو كانت عقوبتك الرجم ؟ أكنت على قيد الحياة الآن ؟ ولو كنت قد سرقت هل عاقبك الله بقطع يدك؟ ولكن الله وهو الحليم أمهلك ،وأعطى لك مزيدا من الفرص، لتعود إليه ،وترجوه أن يغفر لك هذه الذنوب، ثم بعد ذلك منَّ الله عليك بالستر فسترك عن أعين الناس ،حتى لا تكونَ بينهم مذموما مُحْتَقرا، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (رواه مسلم) وكما سترك الله في الدنيا أمر المؤمنين بسترك أيضا كما جاء في الحديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا (رواه احمد )ومعنى مَوْءُودَةً : البنت كانت تدفن حية في الجاهلية
أما إذا عاقبك الله بعقوبة جريمتك في الدنيا، فإن ذلك رحمة بك، وبدلا لك من عذاب الآخرة ،فلا يجمع الله بين عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة، كما في الحديث: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَذْنَبَ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ (رواه احمد) ومعني يُثَنِّيَ : يجمع
وتخيل وأنك غارق في ذنوبك يبسط الله لك يديه لتتوب ،ويناديك يا عبدي: هل لك رب سواي يغفر لك ذنوبك، هل لك رب سواي يسترك ،و كما في قوله تعالى( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ )وكما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ(رواه البخاري) وكما في الحديث أيضا عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا (رواه مسلم) تأمل حب الله لك جعل باب التوبة مفتوحا لك حتى قيام الساعة ، و أما إذا كانت ذنوبك تنوء بحملها أولى العصبة ،وظننت أنك هالك لا محالة ،خاطبك قائلا لك في الحديث القدسي عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً (رواه الترمذي) ومعنى قراب : أي ما يقارب ملء الأرض
تأمل حب الله لك، وعفوه عنك في هذا الحديث، إنه يغفر لك كل ذنوبك ،حتى لو بلغت السحاب في السماء ،ولو كانت ملء الأرض، وليس ذلك فقط بل يدخلك جنته إذا بادرت بالتوبة ،وندمت على ما فعلت ، بشرط وحيد ألا تشرك به شيئا ،وكما سترك في الدنيا يسترك في الآخرة ،و في الحديث سئل ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين َ رواه البخاري ومسلم وكنفه : ستره وعفوه و النجوى : محادثة الله عبده
و الآن نتساءل أليس كل ذلك حبا لك؟ أذنبت فسترك وأمهلك، وإذا رجعت وتبت قبلك وكرَّمَك، حتى أسبغ عليك نعمه وفي جنته أدخلك، فارجع إلى الله ،فلا ملاذ لك غيره ،ولا مأوى لك سواه، كما في قوله تعالى (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَاتذكرون)
أيا من لا يخيب إليه راجي ولم يراه الحاج المناجي
ويا ثقتي على سرفي وجرمي وإيثار التمادي في اللجاج
أقلني عثرتي واغفر ذنوبي وهب لي منك عفواً واقض حاجي
فما لي غير إقراري بجرمي وعفوك حجة يوم احتجاجي .

التوقيع:
تعصي الإله وأن تظهر حبه*** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعتـه*** إن المحب لمن يحب مطيع
من عرف المحبة عن يقين*** محال أن يميـل إلى فراق
وكيف أحب غير الله يوما *** وليس سواه في الأكوان باق
فلـو أنا إذا متنـا تركنـا *** لكان الموت راحـة كل حي
ولكنـا إذا متنـا بعثنـا *** ونسأل یومذا عن كل شي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحب الالهي الجزء الاول, الجزءالأول


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع