دكتور عمرو الليثي يكتب الحاكم العادل (3)

[على الشامى]

كان حب عمر بن عبدالعزيز للعلم لا حدود له، فقد رزقه الله منذ صغره حب الإقبال على طلب العلم وحب المطالعة، وكان يعلم أهمية العلم ومكانته العظيمة فى الإسلام وتأثيره على نهضة الأمم، فقد عاش عمر بن عبدالعزيز فى زمن ساد فيه الإقبال على طلب العلم والنهل من منابعه، حيث تربى على أيدى كبار فقهاء المدينة وعلمائها، فقد اختار له والده صالح بن كيسان ليكون مربياً ومعلماً له، كما أنه تربى وتعلم على أيدى كثير من العلماء والفقهاء منهم عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، وكان أحد الفقهاء السبعة ومن أعلام التابعين، ولقد نهل عمر بن عبدالعزيز من علمه وتأدب بأدبه، وكان شديد الإعجاب به وبعلمه، حتى إنه قال «لمجلس من الأعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحب إلىَّ من ألف دينار».. ولذلك نجد حرص عمر بن عبدالعزيز الشديد على نشر العلم بين رعيته وتفقيههم فى الدين وتعريفهم بالسنة، وقال فى إحدى خطبه: «إن للإسلام حدوداً وشرائع وسنناً، فمن عمل بها استكمل الإيمان، ومن لم يعمل بها لم يستكمل الإيمان»، وبلغ تقديره للعلم والعلماء أنه أمر أن يُجروا الرواتب على العلماء ليتفرغوا لنشر العلم، وانتدب العديد من العلماء لتفقيه الناس فى الدين، كما بعث عشرة من الفقهاء إلى أفريقيا يفقّهون أهلها.. وأصدر عمر أوامره إلى بعض الأئمة العلماء بجمع سنن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حمله على ذلك أنهم حملوا علماً كثيراً، فخشى عمر بن عبدالعزيز، رضى الله عنه، على ضياعه، كما خشى دسّ الأكاذيب المكذوبة وخلطها بالصحيح من أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، بسبب الخلافات المذهبية والسياسية، ففى صحيح البخارى: كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبى بكر بن حزم «انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه، فإنى خفت اندراس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبى، ولتُفشوا العلم، ولتُجلسوا حتى يعلم ما لم يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً»، كما وجّه عمر أوامرَه إلى أهل المدينة جميعاً وجميع الأمصار فى الدولة الإسلامية يأمرهم ويحثهم على جمع الحديث، ويشارك فى هذا كل من لديه علم ولو كان بضعة أحاديث.