استمرار لعبة القط والفأر بين إيران والغرب

[بسمة ناصر]

استمرار لعبة القط والفأر بين إيران والغرب

محمد البرادعى

يري المراقبون و المختصون في الشأن الايراني النووي ان السلطات الايرانية قد نجحت علي الاقل حتي الآن في خداع الولايات المتحدة والدول الغربية فيما يتعلق ببرنامجها النووي‏,‏ من خلال اتباع اسلوب ناعم يقوم علي اساس نظرية‏(‏ نعم و لكن‏).‏

وبعد انتظار الغرب طويلا جاء رد ايران مخيبا لآمالهم حيث اعلنت طهران انها لن تبادل اليورانيوم المنخفض التخصيب لديها مع الغرب من اجل توفير الوقود لمفاعل الابحاث النووي في طهران كما ورد في مسودة اتفاق فيينا التي تم تحريرها برعاية الدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة واكدت ايران انها لن تسلم اي كمية من وقودها النووي الذي يصل الي‏1200‏ كجم الي روسيا وفرنسا للحصول علي‏20%‏ من الوقود المخصب‏,‏ وفي فيينا صرح مندوب ايران لدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي اصغر سلطانية ان بلاده تتمسك بحقها المشروع في انتاج الطاقة النووية السلمية وذكر ان بلاده قدمت الدعم الكافي للوكالة الدولية في التعاون معها من اجل اثبات حسن النوايا الايرانية النووية للوكالة والمجتمع الدولي ولكن الغرب لايزال يشكك في برنامج طهران النووي ويسعي جاهدا من اجل اثبات ذلك للمجتمع الدولي واعرب عن ان بلاده تطالب دائما باخلاء العالم من اسلحة الدمار الشامل‏.‏

واشار سلطانية الي ان رفض بلاده لمقترح فيينا لايعني تحديا للغرب وان الباب مازال مفتوحا لعقد جولة مفاوضات جديدة وعلينا ان نجد وسيلة جديدة لتزويد مفاعل طهران البحثي بالوقود من خلال محادثات تؤدي الي صياغة نهج للتعامل مع هذه القضية واكد حرص بلاده علي التوصل الي حل يرضي جميع الاطراف حرصا من ايران علي ازالة التوتر العالمي بشأن برنامجها النووي والذي يسعي الغرب دائما للتشكيك في سلميته‏.‏

وردا علي التهديدات الغربية والروسية بفرض المزيد من العقوبات علي ايران دعا سلطانية الي نبذ لغة التهديد والوعيد والتي اصبحت سمة الحوار مع الغرب والولايات المتحدة والتي لاتزيد الامور إلا تعقيدا‏,‏ وهذا ما لا تقبله بلاده و الايرانيون مستعدون دائما للمشاركة في أي جولة مفاوضات تدعو اليها واشنطن او الدول الغربية لبحث قضايا تتعلق بتخصيب اليورانيوم او فتح مراكزها النووية امام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولكن دون ان يتنازلوا عن موقفهم السيادي المتعلق في المضي قدما في تخصيب اليورانيوم‏.‏

و بالنسبة لطهران فان الحصار الاقتصادي تهديد اجوف و ليس بالمجدي لان ايران علي علاقة اقتصادية بدول قوية كروسيا والصين اللذين قد لا تلتزمان باي قرارات بشأن الحصار بسبب العقود الاقتصادية الضخمة التي وقعتها شركاتها مع ايران‏.‏اما الخيار العسكري فمكلف للغاية لان ايران ستدافع عن نفسها وتحاول الانتقام من أي جهة تهاجمها وتملك صواريخ وخلايا نائمة وفوق كل هذا حزب الله في جنوب لبنان‏.‏

ايران فازت حتي الآن في مسابقة عض الاصابع ونجحت في مناوراتها مع الولايات المتحدة ومفاوضتها من خلال القاء الكرة في ملعبها عبر استراتيجية نعم ولكن‏.‏

اما الولايات المتحدة التي اقتنعت فيما يبدو ان اسلوب التهديد غير مجد مع الجمهورية الاسلامية المتشددة‏,‏ فقد غيرت لهجتها تجاه طهران بعد ان اعترف باراك اوباما في آخر بيان له‏,‏ بحق ايران في امتلاك الطاقة النووية السلمية‏,‏ كما دعا الي اتخاذ خطوات ايجابية مع دول غربية اخري لاستعادة الثقة بين ايران و المجتمع الدولي‏.‏ بشرط ان تبادر طهران بتقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي‏,‏ مضيفا ان واشنطن ترغب في طي صفحة الماضي لاقامة علاقة جديدة مع طهران تقوم علي المصالح المتبادلة والاحترام‏.‏

وتعثرت المحادثات المتعددة الأطراف بعدما قالت إيران انها لن توافق علي الحد من تخصيب اليورانيوم وإن فرنسا لا يمكنها أن تكون جزءا من ذلك الاتفاق‏.‏ وتريد القوي الكبري الحد من التخصيب كي يتسني إنجاح الاتفاق‏.‏

و سبب رفض ايران التعامل مع فرنسا كشريك في صفقة الوقود النووي هو تراجع باريس عن عقود لتوريد مواد نووية في الماضي‏.‏

و لذلك حاولت الوكالة ان تجد حلا وسطا لحفظ ماء الوجه تقوم ايران بموجبه بتوقيع عقد مع روسيا وتقوم روسيا بالتعاقد من الباطن علي اعمال اخري مع فرنسا‏.‏ ويري دبلوماسيون غربيون انه يجب علي طهران في نهاية المطاف ان تقيد برنامجها لتبديد مخاوف من امكانية تخصيب مخزوناتها المتزايدة من اليورانيوم منخفض التخصيب سرا بقدر يسمح بانتاج اسلحة نووية‏.‏ ولكن طهران اعلنت انها لا تنوي التخلي عن انشطة تخصيب اليورانيوم‏,‏ كما يطالب مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة‏.‏ و انها ستواصل تخصيب اليورانيوم و ان هذا لا يرتبط بشراء الوقود من الخارج‏.‏

كما ذهبت ايران بعيدا عندما طالبت بتشكيل لجنة لمراجعة الاتفاقية رغبة منها في تخفيض التوتر الدولي بشأن ملفها النووي وتحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية و ذلك في ايطار خطة تدعمها أمريكا سترسل إيران بموجبها معظم اليورانيوم المنخفض التخصيب الموجود لديها إلي الخارج‏,‏ لمزيد من المعالجة لتحويله إلي وقود اكثر نقاء من اجل مفاعل الابحاث بطهران المخصص للاغراض الطبية و الطاقة السلمية‏.‏

وينظر إلي الاتفاق المقترح علي أنه سيتيح لإيران امتلاك الوقود الذي تحتاجه علي أن تقدم ضمانات للدول الغربية بعدم استخدام اليورانيوم المخصب من أجل تصنيع أسلحة نووية‏.‏ ويري المراقبون ان رغبة طهران في اجراء جولة جديدة من المحادثات حول مسودة الاتفاق يمثل ليونة في الموقف الايراني وتراجعا عن موقف كبار اعضاء البرلمان الايراني الرافضة للاتفاق حيث دعا نواب إيرانيون إلي رفض المسودة بحجة أن إيران ستفقد السيطرة علي مخزونها من اليورانيوم المخصب ولم يستبعد أحدهم تنكر القوي الكبري للاتفاق فتستولي عليه دون تسليم الوقود النووي‏.‏ كما طلبت روسيا من إيران توقيع مسودة فيينا مشيرة الي ان الاتفاقية تخدم مصالح طهران وليست لخداعها ليؤخذ منها اليورانيوم المنخفض التخصيب‏.‏

و روسيا لم تخرج من صف المجتمع الدولي حيث اعلنت انها تري بان ملف ايران يفتقد‏'‏ الشفافية التامة‏'‏ لكنها تعتقد أن العقوبات ستعقد المسألة أكثر وأن النووي الإيراني لا يمثل خطرا أمنيا إن كان‏'‏ سلميا‏'.‏ و ايران التي بات يظهر انها تتحدث من مصدر قوة تري ان نسبة احتمال الهجوم العسكري هو غير وارد‏,‏ لان العالم علي يقين من ان إيران لن تغفل ولو لحظة واحدة عن الدفاع عن مصالحها ومبادئها‏.‏ والقوي العالمية التي تبحث عن حل دائم للمواجهة مع ايران ستضغط عليها لتذعن للتجميد النووي في محادثات اخري علي مستوي كبار المسئولين بوزارة الخارجية يتم الترتيب لها قريبا مع وعود بمكافآت تجارية اذا علقت طهران تماما تخصيب اليورانيوم‏.‏ كما دعت امريكا الي عمل فوري لتحويل اتفاقية اليورانيوم المنخفض التخصيب الي حقيقة‏,‏ معلنة ان الباب مفتوح لمستقبل أفضل لايران للاندماج في المجتمع الدولي‏.‏