قسم/ الحدث السياسى..

[هند محمد محمود]

07/01/2010
يهوذا" الإخوان


syasa_81201093642.jpg
قبل أيام قليلة من الزلزال المدوي الذي ضرب جماعة الإخوان المسلمين،كنت جالسا إلي عصام العريان في مكتبه بنقابة الأطباء،أتحدث معه عن مستقبل جماعة الإخوان المسلمين،كان العريان متفائلا جدا،بأن المستقبل للجماعة،وأنه إذا كان هناك ما تعانيه من مشكلات،فإن هذه المشكلات في النهاية لا قيمة لها علي الإطلاق.
لفت انتباه العريان إلي أن الجماعة في النهاية تعاني من انشقاقات عديدة،فقاطعني علي الفور وقال إنه لا توجد انشقاقات كبيرة في صفوف الجماعة علي الإطلاق،وأن الانشقاقات الكبيرة وقعت في عهد الجماعة الأول،أيام مؤسسها حسن البنا،وضرب المثل علي ذلك بجماعة شباب محمد،أما الآن فلا يوجد خروج ضخم من الجماعة.
لفت انتباهه إلي خروج أبو العلا ماضي من الجماعة،وقلت له ألا تعتبر أن هذا انشقاقا كبيرافنفي العريان ذلك تماما،بل وقلل.. ما قيمة ما فعله وقام به أبو العلا،فقد خرج لأنه لم يمتثل رأي الجماعة،رغم أن رأي الجماعة كما أثبتت الأيام بعد ذلك كان هو الصحيح،وأن ما ذهب إليه أبوالعلا ومن خرجوا معه وهم قليلون لم يكن صائبا بأي وجه من الوجوه،بدليل أنه تقدم بأوراق حزب الوسط إلي لجنة شئون الأحزاب 4 مرات في حوالي 13 سنة دون أن يستجيب لهم أحد.
ولا أدري الآن ما الذي يمكن أن يقوله عصام العريان بعد أن وقفت الجماعة علي حافة الهاوبة،وأصبحت مهددة بالانهيار،لقد توقع الجميع عقب إجراء انتخابات مكتب الإرشاد بطريقة مريبة وملتوية،أن ينشق عبد المنعم أبو الفتوح ويخرج برجاله من الجماعة،وهو ما أصاب قيادات الجماعة الكبار بالهلع الشديد،ليس لأن انشقاقا يمكن أن يحدث،ولكن لأن من سيقوم بهذا الانشقاق سيكون عبد المنعم أبو الفتوح،الذي يتمتع بشعبية طاغية داخل شباب الجماعة،والذين يمكن أن يتبعوه بإحسان إلي الوجهة التي يريدها ويحددها.
أحاطت قيادات الجماعة بعبد المنعم أبو الفتوح،وحاولت تخفيف وطأة ما جري له،حيث لم ينجح في انتخابات مكتب الإرشاد لا هو ولا محمد حبيب الذي كان النائب الأول لمرشد الجماعة،الاستيعاب الأول لعبد المنعم أبو الفتوح كان من خلال تصحيح ألقي به مهدي عاكف مرشد الجماعة علي الموقع يخص رغبة أبو الفتوح بألا يشرك اسمه في انتخابات مكتب الإرشاد،وعلي ذلك يتم تصوير الأمر علي أن أبو الفتوح هو الذي خرج من المكتب بإرادته،وهو أمر يمكن أن يكون طبيعيا في ظل ظروفه وحالته الصحية،ولا يكون الخروج مهينا بسقوطه في حصد أصوات أعضاء مجلس الشوري العام في الجماعة.
لكن أبو الفتوح نفسه بادر بنفي ما قاله وأعلنه عاكف بشكل رسمي علي موقع الجماعة،من أنه لم يطلب من أحد في أي وقت من الأوقات استبعاد اسمه من انتخابات مكتب الإرشاد،ثم إنه إذا كان أبو الفتوح طلب ذلك بالفعل،فما الذي زج باسمه في الانتخابات،وما تفسير إعلان النتيجة والإشارة إليه علي أنه فشل وأخفق في الانتخابات.
المحاولة الثانية للاستيعاب كانت من خلال الحفل الذي أقامته نقابة الأطباء لأبو الفتوح تكريما له بعد خروجه من المعتقل علي ذمة قضية التنظيم الدولي للإخوان،حضر عصام العريان الحفل وجلس علي المنصة إلي جوار أبوالفتوح، وحاول أن يتحدث العريان بشكل جيد عن أبو الفتوح الذي اعتبره صديق عمره وكفاحه،إلا أن أبو الفتوح لم يهتم بما قاله عصام العريان ولم يلق له باله،وقد لاحظ الجميع ذلك،ولما عاتب العريان أبو الفتوح علي حالة الفتور والتجاهل هذه،أخبره أبو الفتوح أنه مرهق ومتعب فقط،فرد عليه العريان يائسا من أن يجعل أبو الفتوح يلتفت إليه:عموما ربنا يوفقك.
عصام العريان وقف في هذا الحفل موقفا لا يحسد عليه،خاصة بعد أن تحدث أبو العلا ماضي صديق وتلميذ عبد المنعم أبو الفتوح عن قيم الصداقة والوفاء التي أصبح البعض لا يعرفها،في إشارة ضمنية للعريان،الذي يتهمه الإخوان الآن بأنه باع صديقه،وأنه ألقي بنفسه في أحضان جبهة محمود عزت أمين عام الجماعة حتي يصعد إلي عضوية مكتب الإرشاد التي حرم منها كثيرا علي جثة معسكر الإصلاحيين الذي يقوده عبد المنعم.
المحاولة الثالثة لاستيعاب أبو الفتوح كانت في اتجاه الجماعة إلي اختيار الدكتور رشاد البيومي مرشدا عاما للجماعة،وكان التخطيط الذي لا يزال قائما حتي الآن أنه في حالة فوز محمد بديع بأعلي الأصوات في انتخاب المرشد فلابد أن يتنازل للدكتور البيومي،وذلك لأن البيومي يحظي بتأييد أبو الفتوح،وبذلك تضمن الجماعة ألا يخرج أبوالفتوح من صفوف الإخوان.
لكن السؤال هو هل تخشي الجماعة من غضب أبو الفتوح؟وقائع الأمور تقول إن الأمر ليس بهذه البساطة،فلو أن الجماعة تخاف علي غضب أبو الفتوح فلماذا أقدمت علي إبعاده قصدا من انتخابات مكتب الإرشاد،ولو صحت الوثيقة التي نشرتها مجلة المصور والتي جاءت علي شكل ورقة مكتوبة بخط اليد ومنسوبة إلي محمود عزت بأنه حدد الأسماء التي يريدها في قائمته،وهي القائمة التي يستبعد فيها عامدا متعمدا عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب،فإن ذلك معناه أنه كان هناك تخطيط «بليل» لإبعاد أبوالفتوح وحبيب عن صفوف الجماعة.
الغريب أن القائمة المنشورة بخط يد محمود عزت والتي كتبت بقلم أحمر نصت علي ضرورة اختيار الدكتور عصام العريان ضمن رجال محمود عزت،وكان العريان موضوعا في ترتيب متقدم جدا في القائمة،فقد كان الثاني مباشرة،وهو ما فسر فوز العريان في انتخابات مكتب الإرشاد علي أنه كان مجرد صفقة عقدها مع محمود عزت للإطاحة بعبد المنعم وحبيب.
الصفقة بهذا الشكل منطقية للغاية،فمحمود عزت يعرف جيدا العواقب التي ستتخلف عن خروج أبو الفتوح وحبيب من مكتب الإرشاد،ولذلك أراد أن يخفف وطأة هذا الخروج الكبير بإدخال الدكتور عصام العريان إلي هيئة المكتب،علي أساس أن يمتص هذا الدخول غضب الإخوان،لأن عصام العريان في النهاية له شعبيته وجماهيريته التي لا ينكرها أحد،خاصة أنه وجه إعلامي متميز ربما أكثر من أبو الفتوح ومحمد حبيب.
يظهر في الصورة اثنان إذن حركا الأحداث أو اشتركا فيها وهما عصام العريان ومحمود عزت،وقد كانت هناك أسباب منطقية علي الأقل بالنسبة لمحمود عزت ليعمل من أجل إبعاد حبيب وأبو الفتوح عن الجماعة أو عن الدوائر المؤثرة وصانعة القرار فيها.
بالنسبة لعبد المنعم أبو الفتوح كان المأخذ الأساسي الذي أخذخ عليه محمود عزت أنه كتب مقالا مطولا لجريدة الشروق انتقد فيه أفكار ونهج سيد قطب في العمل الإسلامي،وهو ما أغضب فريق القطبين في الجماعة وعلي رأسهم محمود عزت،ليس لأن أبو الفتوح نشر هذه الانتقادات علي الملأ ،وهو الأمر الذي يكرهه الإخوان،فهم يعتبرون أن كل ما يدور في جماعتهم أمرا خاصا بهم وحدهم،ولا يجب أن يطلع عليه أحد،ولكن لأن هناك حالة من التعصب الشديدة لأفكار سيد قطب،ويعتبر محمود عزت أن الخروج علي أفكار سيد قطب خروجا علي أحد ثوابت الجماعة الراسخة.
أما المأخذ الذي أخذه محمود عزت علي محمد حبيب فهو أنه تحدث علي قناة الجزيرة في أمور ما كان يجب أن يشير إليها أو يتحدث عنها علي الملأ،فقد تولي محمد حبيب مهام المرشد بعد الأزمة الأخيرة التي فجرها مهدي عاكف باستقالته،فبعد تراجعه عنها تم الإتفاق علي أن يصبح مجرد نائبا علي الورق،بينما يقوم محمد حبيب بمهام المرشد،لقد تجاوز حبيب من وجهة نظر عزت بكشفه ما يدور في اجتماعات الجماعة،وبذلك فهو يخالف لائحة الجماعة.
كانت هذه المخالفات من وجهة نظر محمود عزت كافية ومبررة جدا لإبعاد الرجلين عن الجماعة،وهو ما تم تنفيذه ببراعة،ومن خلال استخدام اسم عصام العريان في المؤامرة،لكن مؤامرة الخيانة لم تبتعد عن خيرت الشاطر الرجل الذي يدير الجماعة من داخل زنزانته في طره.

لقد كان خيرت الشاطر يعد نفسه ويعده الآخرون لأن يتولي منصب المرشد العام للجماعة،وقد أعاد هيكلة الجماعة وأنفق عليها الكثير،وكان قاب قوسين أو أدني من منصب المرشد،لولا أن دخل السجن وحكمت عليه المحكمة العسكرية بـ15 سنة سجن في قضية غسيل الأموال الشهيرة التي تفجرت بعد العرض العسكري الذي قام به طلاب الإخوان في جامعة الأزهر،لكن السجن لم يمنع خيرت الشاطر من أن يواصل عمله من أجل الاستحواذ الكامل علي الجماعة،ولم يكن هناك أنسب من محمود عزت ليقوم بهذه المهمة،وهي الحفاظ علي الجماعة من أن يعتليها أو يستولي عليها المخالفون لخيرت في النهج والفكر.

لقد استبعد محمد حبيب بعد الإطاحة به أن يكون خيرت الشاطر له يد فيما يجري في الجماعة،فليس معقولا أن يتآمر عليه رغم أنهما صديقين وأنهما قضيا وقتا طويلا مع بعضهما البعض في زنزانة واحدة،لكن يبدو أن محمد حبيب عرف الآن من خانوه ومن اطاحوا به ومن غزلوا له الشبكة ليدخل فيها بقدميه،ولذلك لم يتردد في أن يتقدم باستقالته من الجماعة.

إن عبد المنعم أبو الفتوح لم يستقل من الجماعة وقد يكون عرف أن ما جري له لم يكن قاسيا إلي حد بعيد،فهو لم يكن قريبا من منصب المرشد العام،أما محمد حبيب فكان يقف علي الباب،وكان يعتقد كما صرح هو أكثر من مرة أنه لا يمكن لأحد أن يستبعده أو يحجمه في الجماعة وأنه قادر علي أن يدير الأزمات،لكن يبدو أن الأزمة كانت أكبر منه وأعنف.
إنها لم تكن أزمة بل كانت خيانة كاملة جرت في صفوف الجماعة لرجالها الكبار،أما من هو يهوذا الذي باع المسيح في الجماعة،فهو يعرف نفسه جيدا،لا أريد أن أحدد أحدا بالاسم،فالجماعة التي كانت تروج لنفسها أنها جماعة ربانية وقرآنية بدا أن فيها أكثر من يهوذا ...وليس يهوذا واحد.

[احمد مختار]

بصراحة مش عارف
الاخوان عاملين دولة جوه دولة
انتخابات ايه ومكتب ارشاد ايه
ربنا يهدينا جميعا