س : إن الله سبحانه وتعالى قد خلق لنا كراما كاتبين ، يكتبون كل ما نقول ونسمع . فما الحكمة من خلقهم ، مع العلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ولا يخفى عليه ما نُسر وما نعلن ؟
ج : أولا مثل هذه الأمور قد ندرك حكمتها وقد لا ندرك ، فإن كثيراً من الأشياء لا نعلم حكمتها كما قال الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا } . فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه ، وجعل الخيل على هذا الوجه ، وجعل الحمير على هذا الوجه ، وجعل الآدمي على هذا الوجه ، وما أشبه ذلك .و لو سألنا عن الحكمة في أن الله عز وجل جعل صلاة الظهر أربعاً ، وصلاة العصر أربعاً ، والمغرب ثلاثاً ، وصلاة العشاء أربعاً . وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعرف الحكمة في ذلك ، إذ قد يقول قائل : لماذا لم تجعل ثمانية أو ستة ؟ وبهذا علمنا أن كثيراً من الأمور الكونية ، وكثيراً من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها . وإذا كان كذلك فإنا نقول : إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو المشروعة ، إنْ منَّ الله علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وعلم وخير ، وإن لم نصل إليها فإن ذلك لا ينقصنا شيء .
ثم نعود إلى السؤال وهو ما الحكمة في أن الله عز وجل وكل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل ؟
فالحكمة من ذلك بيان أن الله سبحانه وتعالى نظم الأشياء ، وأحكمها إحكاماً متقناً ، حتى إنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين موكلين بهم يكتبون ما يفعلون ، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوا . ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان وكمال حكمه تبارك وتعالى لهذا الكون . والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين