الموقع الرسمي للاعلامي الدكتور عمرو الليثي

(( أين أنا ))

- وسط الزحام وكل ركام الدنيا وصخبها .. كوارث هنا وزلازل هناك اغتيالات وأعاصير سياسية وحروب وقتل للأبرياء بالجملة .. أبحث وسط كل هذه التراكمات عن نفسي .. وسط هذا الصخب العارم في طرقاتنا ويلفت انتباهي سائحا يتجول ومعه كاميراته الرقمية وبيده خارطة " ليست خارطة الطريق " التي فرضتها أمريكا وإسرائيل على الفلسطينيين وعارضها الكثير وقتها ورحب البعض في حين شجب الباقون تلك الخارطة .. ولكن وبعد حين باتوا يتباكون عليها ويتمنون تطبيقها .. المهم ليس هذا موضوعنا ؟؟ !!
وتسير مع ذلك السائح امرأة شقراء جميلة جدا ممشوقة القوام ساحرة العينين .. وتشير بيدها لتلك البيوت العتيقة في أزقتنا الدمشقية القديمة التاريخية وهو يشير الى مكان وجودها على الخارطة .. أظن أن تلك الخارطة تحوي كل صغيرة وكبيرة في أحيائنا الشعبية .. وأظن أيضا أن بلداننا الشرق أوسطية بالنسبة لأولئك السائحين متحف آثري كبير .. ولكن ؟؟!
هل يعتبرنا أولئك السائحون نحن كبشر أم أننا بالنسبة إليهم قطع أثرية أو مومياء اذا صح التعبير .. نكون قد متنا وتم تحنيطنا وتحجرنا مع باقي المستحثات ..وأصبحنا دمى أثرية تباع وتشرى .. ولكن بثمن زهيد بخس لا قيمة لها ولا ندرة لكثرة وجودها .. السؤال ؟
كيف ينظر إلينا أولئك القادمون الأجانب .. ؟؟
وبالطبع الجواب هو أنهم ينظرون الينا كشعوب متخلفة تماما .. والتخلف هو عدم التقدم واللحاق بركب الحضارة .. فما دمنا أحياء ولم نتقدم فهذا يعني أننا موجودون ولكن كالمومياء .. لأن الزمن لا يقف بل نحن من توقف .. أسس أجدادنا لكل صنوف العلم والمعرفة .. ولكننا لم نستلم الراية منهم .. أو بالأصح استلمنا الراية ولكن سرعان ما فقدناها ربما بسبب تخاذلنا والتشرذم الذي وقع في تلك العصور ..
بل سلكنا نحن طريق التفاخر بالأمجاد بالتاريخ .. وأضعنا الجغرافيا أضعنا أجزاء مهمة من الأرض العربية ..غصنا بالملذات والتغني بأمجاد علمائنا الكرام .. والغوص أوصلنا للسباحة أضعنا الطريق ..غرقنا .. دون أن نتأكد بوجود منقذ لتلك اللحظة , لحظة الغرق .. اجتررنا كل ما قيل عبر المحطات .. وجربنا كل ما صنع الغرب والشرق من أدوات .. حتى أصبح شرقنا الأوسط حقل تجارب لتلك الصناعات من قنابل ذكية وطائرات وصواريخ بالستية .. ومكب للنفايات النووية .. ومسرح للمؤامرات على الشعوب العربية ..
تنادى الكثيرون في وطننا العربي .. قبل سنين , بالحرية والديمقراطية , لكن كانت المأساة أكبر مما نتصور لأن ديمقراطيتنا باتت موضة قديمة ونحن لا نعلم , ويجب تطبيق أحدث أنواع الموضة علينا وكانت التجربة في العراق .. وأما بشأن الحرية فقال قائل منهم بأن شعوب هذه المنطقة إذا أعطيت الحرية فسوف تشكل خطرا كبيرا على العالم بأسره .. وضربوا مثلا بإيران وملفها النووي ..
كانت المأساة كبيرة .. لعدم نضوج الفكرة لدينا , بأن نوافق على أمركة المنطقة ونحن قانعون .. وهذه الفكرة صعبة النضوج لدى شعوبنا التي ذاقت ويلات الاحتلال لعقود عدة ..

ويبقى السؤال أين أنا كمواطن عربي أريد الحرية والديمقراطية أريد العيش بسلام .. وكل ما يحيط بنا يبنأ بغير ذلك .. هل أبقى مهددا في كل حين .. باستعمار قادم لا محالة .. وهدف هذا الاستعمار شريف كما يدعي المدعون .. لفرض الديمقراطية على الطريقة الأمريكية واستيراد قطع غيار مستعملة للحرية المشلولة عند الشعوب المقهورة ..
ويكمن تجريب الديمقراطية الجديدة عليك عزيزي المواطن العربي .. فأنت مخير بين أمرين أحسنهما سيء للغاية
الأول : اختيارك لنوعية الهيمنة التي تريد .. وحريتك في كمية الجنود الكافية لاستيرادها لقمع أية ردة فعل مقاوم .. هل تريد هيمنة أمريكية إسرائيلية أم تريد هيمنة بريطانية أم تريد ومن الممكن تأمين هيمنة فرنسية إذا أحببت , ولكن عليك بسرعة الاختيار قبل نفاذ الكمية ..
أما الأمر الأخر إن لم تعجبك كل العروض السخية السابقة ؟؟
فعليك تقبل الاستعمار القسري وبالقوة , وهنا الطامة الكبرى ..
وأسأل نفسي عندما أحملق في تلك الخارطة التي يحملها ذلك السائح .. ؟؟؟
أين المواطن العربي الحالي من هذه الخارطة المزركشة الألوان .. يأتي السائحون ليشاهدوا عبق التاريخ المجيد في بلادنا .. ولكن نحن أصحاب هذا التاريخ ربما لا نقدر قيمة هذه المنحوتات .. يأتون ليروا ما صنعه الأجداد ولكن ماذا صنع هذا الجيل ..
ووجدت أخيرا أن مأساتنا الكبرى تكمن في عدم فهم ذاتنا وأمكاناتنا .. وعدم السماح للعقول العربية بالنضوج والتفكير والإبداع في منطقتها .. مما يضطرها الى الهجرة .. وبقاء الوطن على تخلفه واستهلاكه لما يصنعه الآخرون ..